الإمام ابو حنيفة النعمان هو أحد علماء المسلمين الفقهين ، وهو صاحب المذهب الحنفي في فقه الإسلام، ويُعتبر أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وكان معروفا بأخلاقه الحسنة وعلمه الغزير ، ووصف أنّه من التابعين، حيث التقى بمجموعة من صحابة رسول الله، مثل أنس بن مالك، وكان يتصف بالوقار والورع ، وكثرة العبادة ، والإخلاص، وقوة الشخصية، وكان فقهه يعتمد على ستة مصادر هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس ،والاستحسان، والعاد ، والعرف.
نبذة عن مولد أبي حنيفة النعمان
وُلد أبو حنيفة النعمان في عام ستمائة تسعة وتسعون ميلاديا في منطقة الكوفة ، وهناك اختلافات عديدة تخص انتمائه العرقي ، منهم من يقول إنّه من أصل فارسي، والآخر يقول إنّه من أصل نبطي بابلي، وقد ألف الأستاذ ناجي معروف كتاباً يُثبت فيه عروبة أبي حنيفة، كما أثبتت الدراسات أنه من أصل عربي ، وقد أبطل فيه كلّ ما قيل عنه بأنه من أصل غير عربي، حيث هاجر أبوه من اليمن وسكن في العراق عندما انهار سد مأرب.
علم أبي حنيفة النعمان
تعلم أبي حنيفة النعمان في حلقات العلم ، والتي تم تصنيفها في ذلك العصر إلى ثلاثة أصناف وهي: حلقات للمذاكرة في أصول العقائد، وقد كان يخوض في هذه الحلقات أهل الفرق المُختلفة، وحلقات لمذاكرة الأحاديث النبوية وروايتها، وحلقات لاستنباط الفقه من الكتاب، والسنة.
يوجد الكثير من الروايات التي تؤكد
أن أبي حنيفة طلب علم الفقه بعد أن تلقى علم الجدل والعقائد وأصول الدين ، وتعلم مع الفرق، حيث تثقف بالثقافة الاسلامية التي كانت سائدة في عهده، فقد حفظ القرآن على قراءة عاصم، وعرف الكثير من الأحاديث، والكثير من الأدب، والشعر والنحو .
جادل أبي حنيفة الفرق المختلفة في أمور الاعتقاد، والتي ترتبط به، وكان يذهب إلى البصرة من أجل هذه المناقشة، وأقام هناك لمدة سنة أحياناً من أجل الجدل، وبعد أن انتهت مرحلة الجدال توجه إلى كبار المشايخ من أجل تعلم الفتيا، وكان قد لزم أحدهم، وتلقى وتلقى علمه عنه ، وتميزت الكوفة في ذلك الوقت بأنها موطن فقهاء العراق، أما البصرة فقد كانت موطن الفرق المختلفة، وكان أبي حنيفة متأثرا بتلك البيئة الفكرية، فقال: (كنت في معدن العلم والفقه، فجالست أهله ولزمت فقيهاً من فقهائهم).
شيوخ أبي حنيفة النعمان
تعلم الإمام أبو حنيفة على يد مجموعة كبيرة من الشيوخ، حيث ذكر الإمام أبو حفص حوالي أربعة آلاف شيخ، ومنهم: والليث بن سعد، ومالك بن أنس، وروى أبي حنيفة عن كثير من الشيوخ، منهم الشيخ عطاء بن أبي رباح، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وجبلة بن سحيم، والشعبي، وعدي بن ثابت، وعمرو بن دينار، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعلقمة بن مرثد، وعبد الملك بن عمير،وسماك بن حرب، وهشام بن عروة.
كان الإمام أبي حنيفة يناقش أهل المِلَل والنِّحَل المختلفة، وينقاش أهل الضلال والمُلحِدين ، حتّى أصبح بارعا هذا المجال، وأصبح ممّن يُشار إليهم بالبنان، وكان في هذا الوقت لم يتجاوز العشرين من عمره ، وبعد ذلك إلى علم الفقه، حيث تتلمذ على يدي العالم الفقيه حمَّاد بن أبي سليمان رحمه الله، ونهل من علمه الغزير حتّى أصبح أقرب تلاميذه إليه، وقد قال حماد في أبي حنيفة: (لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي -بجانبي- غير أبي حنيفة).
كما اطلع الإمام أبو حنيفة النعمان على جميع العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى المهمّة، وبعد ذلك استقرَّ على علم الفقه بعد أن عرف مكانته في الدين وفضله وأهميّته في الأولى والآخرة، وقد اطلع على أصول العلوم جميعها قبل أن يتوجّه إلى علم الفقه، حيث درس العقيدة، وعلوم القرآن والقراءات، والنحو والحديث، واللغة، وغير ذلك، فلم يجد في جميع تلك العلوم أشرف ولا أرفع ولا أفضل مآلاً من علم الفقه؛ حتّى إنّه كلّما قلَّب في علم الفقه وجدَه يسمو ويرتفع حتى استقرَّ عليه.
التلاميذ تتلمذ على يدَي الإمام أبي حنيفة النعمان
تلاميذ الإمام أبي حنيفة النعمان هم من أرسى القواعد الأوليّة للمذهب الحنفيّ تحت إشرافه وهناك مجموعة من العلماء الذين برزوا في العلم لاحقاً، لم يرد عنه أنّه كتب كتاباً جامعاً في الفقه يُظهر اجتهاداته أو أقواله، وآراءه الفقهية، وفتاواه الخاصّة، ولكن الإمام كان يُملي كلَّ ذلك على تلاميذه خلال الحلقات العلميّة التي يعرضها عليهم، وبعد ذلك يراجع ما كتبوه ليُقرَّهم عليه، أو يحذف ما يُخالف مذهبه أو كان فيه خطأ أو لغطٌ ، أو ربّما يُغيّر بعض ما كتبه تلاميذه بعد الاطّلاع عليه، مّا جعل مذهبه مستقرا ومستمرا ومزهرا على أيدي تلاميذه الذين برعوا في تدوين الفقه الحنفيّ ونشره بين الناس ، ومن أشهر تلاميذ الإمام أبي حنيفة؛ الشيخ أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، ومن كُتبه الشهيرة كتاب الآثار، ومنها كذلك كتابه اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى، كما برع من تلاميذ أبي حنيفة محمد بن الحسن الشيباني، وله فضل كبير في ترسيخ وتدوين دعائم المذهب الحنفيّ ، مع أنّه لم يتتلمذ على يدي أبي حنيفة إلا فترةً قصيرةً، وبعد ذلك تتلمذ على أيدي أبي يوسف، والأوزاعي، ومالك، وغيرهم من كبار الفقهاء .
وفاة أبي حنيفة النعمان
توفي الإمام أبو حنيفة النعمان في شهر رجب عام مئة وخمسين للهجرة ، ويقال إنّه توفّي عام مئة وإحدى وخمسين، وقيل توفّي سنة مائة ومائة وثلاث وخمسون، ولكن الرأي الأول هو الأصح في ذلك ، يبلغ من العمر سبعين سنةً، رُوِي في حاله قبل وفاته أنّه مكث أربعين سنةً يُصلّي الفجر بوضوء العشاء، وقيل إنّه كان شديد التعلق بكتاب الله تعالى وأنه قرأ القرآن في الموضع الذي مات فيه سبعة الآف مرّة؛ وكان يصلّي الليل ويقرأ القرآن في كلّ ليلة، وقد صُلِّي عليه في مدينة بغداد عدّة مرّات، قيل إنّها بلغت ستّاً؛ بسبب شدة الزحام في جنازته، و دُفِن هناك.