قال تعالى في كتابه الكريم في سورة النساء في الآية رقم مائتان وتسعة وعشرون (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة
تفسير ” الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان “
تفسير القرطبي
فسر القرطبي قوله تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، حيث ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن الطلاق عنهم بعدد معين وكانوا يردون زوجاتهم بعد العدة، وفي أول الإسلام كان يطلق الرجل زوجته ما شاء من الطلاق ثم يرجعها عندما يشاء،
وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قال رجل لزوجته : لا آويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فشكت المرأة إلى السيدة عائشة التي اخبرت الرسول عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية ببيان عدد مرات الطلاق.
وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد في هذه الآية : المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق ، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة ، فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها، وإما أمسكها محسنا عشرتها ، والآية تتضمن هذين المعنيين .
ويقول ابن عمر : فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها، وقال ابن المنذر عن الطلاق : وليس في المنع منه خبر يثبت ، وقيل عن معاذ بن جبل : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله تعالى شيئا على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه .
وفسر قوله تعالى (فإمساك بمعروف)، حيث قيل عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، قال الله تعالى : الطلاق مرتان فلم صار ثلاثا ؟ قال : ” إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان “، حيث أن التسريح من ألفاظ الطلاق، قال أبو عمر : وأجمع العلماء على أن قوله تعالى : (تسريح بإحسان) هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين، وإياها عنى بقوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وأجمعوا على أن من طلق امرأته طلقة أو طلقتين فله مراجعتها ، فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله .
وقيل عن أبي رزين : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فأين الثالثة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فثبت أن قوله تعالى ( تسريح بإحسان) : هو تركها حتى تنقضي عدتها .
وقيل عن ابن عمر على رواية من روى ( أنه طلق امرأته ثلاثا ، وأنه عليه السلام أمره برجعتها واحتسبت له واحدة )، وفي رواية أخري (أن ركانة طلق امرأته ثلاثا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها ، والرجعة تقتضي وقوع واحدة ) .
وقيل عن ابن عباس ( فيمن طلق امرأته ثلاثا أنه قد عصى ربه وبانت منه امرأته ، ولا ينكحها إلا بعد زوج ) ، وقيل عن ابن عباس أنه قال : ( كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب طلاق الثلاث واحدة)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم ) .