هو رجل عاش على جزيرة ومات عليها لم يعرف عن الإسلام شيء سوى أيام قليلة إلا أن الله شاء أن يموت على دين التوحيد وأن يترك الصنم الذي عاش طوال حياته يعبد فأسلم الرجل وحسن إسلامه وقد وردت هذه القصة الرائعة في كتاب ألف قصة وقصة عن حياة الصالحين ونوادر الزاهدين.
عابد الأصنام على الجزيرة:
قال عبد الواحد بن زيد: ركبت البحر فعصفت بنا ريح دفعتنا إلى جزيرة من جزائر البحر، فطلعنا إليها وإذا نحن برجل قد عكف على صنم يعبده، فقلنا له: ما معنا في المركب من يعمل مثل هذا، قال: فأنتم لمن تعبدون، قلنا: نعبد الله عز وجل، قال: ومن هو الله ؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه، قال: فكيف علمتم ذلك ؟ قلنا: أرسل إلينا رسولًا بالمعجزات الظاهرة فأخبرنا بذلك، قال : فما فعل برسولكم؟ قلنا: لما أدى الرسالة قبضه الله إليه، قال: أفما ترك عندكم علامة ؟ قلنا: ترك فينا کتاب الله سبحانه وتعالى، قال: أروني إياه.
ينبغي لمن هذا كلامه أن لا يعصى:
يقول عبد الواحد بن زيد: فأتيناه بالمصحف، قال: ما أحسن قراءته، فقرأنا عليه منه شيئا، فبكى وقال: ينبغي لمن هذا كلامه أن لا يعصى، فأسلم وحسن إسلامه، قال: ثم سألنا أن نحمله في المركب فحملناه وعلمناه سورًا من القرآن، فلما جن عليه الليل وأخذنا مضاجعنا لننام، فقال: يا قوم هذا الذي دللتموني عليه ينام؟ قلنا: هو حي قیوم لا تأخذه سنة ولا نوم، فقال: إن من سوء الأدب نوم العبد بين يدي سيده، ثم وثب قائمًا فلم يزل قائمًا باكيًا حتى أصبح.
دللتموني على طريق لم تعرفوه:
قال: فلما قدمنا عبادان قلت لأصحابي: هذا رجل غريب حديث عهد بالإسلام، ومن المصلحة أن يجمع له شيئا ففعلوا ومددناه إليه، فقال: ما هذا ؟ قلنا له: نفقة تنفقها عليك، فقال: سبحان الله دللتموني على طريق لم تعرفوه، أنا كنت في جزيرة من جزائر البحر أعبد غيره ولم يضيعني، فكيف يضيعني وأنا أعبده وهو الخالق الرازق؟!! ثم مضى وتركنا، قال: فلما كان بعد أيام أخبرت أنه بموضع يعالج سكرات الموت، فأتيناه وهو بآخر رمق فسلمت عليه، وقلت: ألك حاجة ؟ فقال لي: قد قضى حاجتي الذي جاء بكم إلى الجزيرة وأنا لا أعرفه.
قال: فاستندت بإزائه وقصدت مؤانسته ساعة، فغلبتني عيني فنمت، فرأيت في مقابر عبادان روضة عليها قبة، وتحت القبة سرير، وعلى السرير جارية لم أر أجمل منها، وهي تقول بالله عجل في جهازه فقد طال شوقي إليه، فانتبهت فوجدته قد مات فغسلته وكفنته، فلما كان الليل نمت فرأيته وهو في هيئة حسنة والجارية على السرير تحت القبة، وهو إلى جانبها يكرر هذه الآية: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [الرعد:24].
المستفاد من القصة:
لا يقاس الإسلام بالزمن ولكن يقاس بالأعمال الصالحة فهذا الرجل أسلم أيام معدودة إلا أن إسلامه كان عن ثقة وعن يقين فأطلق العنان لروحه حتى تستأنس بربها ونال من العبادة بقلبه وجسمه ما مكنه من هذه المنزلة العظيمة التي رآها عبد الواحد بن زيد.