ابن خفاجة :
هو أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الجعواري الأندلسي، وهو شاعر ولد في الاندلس وتحديدا في جزيرة شقرة، عاش في الفترة من 450-533 هو و 1058-1138 م، وكان أغلب شعره وصف المناظر الطبيعية، و قد عاش أيام الطوائف والملوك عبر دولة المرابطون، وكان يجيد الشعر والنثر وبارع فيهما وكان يعتبر وحيد عصره في الشعر الذي يقوم بوصف الطبيعة.
و كان ابن خفاجة يعتبر شاعر الأندلس، وأكبر دليل على ذلك وصف المقري له في كتاب نفح الطيب، وكان شعره يتميز بالأناقة، وان كان بعض من شعره يعتبر متكلفا بسبب حبه للاستعارات والتورية والكنايات وتطبيقه للجناس سواء المعنوي منها أو اللفظي، وذلك أضاف الغموض على شعره و كان يتناول ابن خفاجة في شعره الوصف للطبيعة مثل وصف الأنهار ووصف الأشجار و الرياض و الرياحين والبساتين، وكان هو الشاعر الوحيد وقتها الذي يصف الطبيعة ويتغزل بها و لذلك فقد أطلق عليه أهل الأندلس الجنان.
صفات الشاعر ابن خفاجه :
1- كان يملك عزة نفس تجعله لا يمتدح من أجل العطاء من الملوك.
2- وكان يخاطب الطبيعة ويتحدث للطبيعة كأنها شخص.
3- ويتميز شعره بالغموض و يكون صعب المعاني.
4- كما انه كتب النثر وكان يلتزم فيه بالمحسنات اللفظية.
5- ويتبع أسلوب الهمذاني وابن العميد، وقد لقبه النقاد بشاعر الطبيعة، نظرا لتفاعله معها، فكان يتقاسم مشاعره مع الطبيعة ومع همومها.
6- وكان يستعين بالألفاظ في خدمة الأغراض الشعرية، حيث كان يسلط جميع حواسه ناحية الطبيعة، فكان مختلفا عن غيره من الشعرا.
7- وكان يضيف للطبيعة حواس مثل السمع والفرح فهي تبكي وتضحك مثل الإنسان .
الطبيعة في شعر ابن خفاجة :
وصقـيلة الأنوارِ تلـوي عِطـفَها ريحٌ تلفّ فروعـها معـطار.
عاطـى بها الصهباءَ أحوى وصف أحورٌ سَحّابُ أذيال السّـُرى سحّار.
والنَّورُ عِقدٌ والغصـونُ سـوالفٌ والجذعُ زَندٌ والخـليج سوار.
بحديـقة مثـل اللَّمـى ظِلـاَّ بـها وتطـلعت شَنَبا بها الأنـوار.
رقص القضيبُ بها وقد شرِبَ الثرى وشـدا الحمامُ وصَفَّق التيار.
غَنّاء ألحَـفَ عِطفَـها الوَرَقُ النّدي والتـفّ في جَنباتها النـوّارُ.
فَتطـلّعت في كل مَـوِقع لحـظةٍ من كل غُصـنٍ صَفحةٌ وعِذارُ.
شرح مغذي الأبيات :
نجد أن ابن الخفاجة يصف النوار في هذه القصيدة كأنه امرأة تعطف على الرجل حيث شبه النوار أن بها من الحنان الذي تعطف على الأرض فقد شخص المرآة بالنوار وشبه الأرض بالرجل
في البيت الثاني، نجد أن الشاعر قد دمج الطبيعة و جعلها كأنها إنسان وتحديدا امرأة، ويحيطها السعادة من كل جانب كما أنها تشرب الخمر وسط زهور النوار وتظهر وكأنها جارية جميلة ترتدي ثوبا جميلا يلامس الأرض من طوله وعين جميلة سوداء.
فنجد في البيت الثاني أن شعر ابن خفاجة مبني على مثلث مكون من ثلاثة أشياء هم المرآة والطبيعة والكأس.
قصيدة ابن خفاجة عن الجبال :
يا بأنة، تهتز فينـانةً وروضة، تنفخ، معـطاراً
لله أعطافك من خـوطةٍ وحبّــذا نـورك نـوّار
2- قصائد الشاعر عن القمر:
أَصَختُ إليه وهو أخرسُ صامتٌ فحدّثني ليلَ السّـُرى بالعجائبِ
وقال ألا كم كنـتُ ملجأ فاتـكِ ومـوطنَ أواهٍ تبـتّل تائــب
وكم مرّ بي من مولـجٍ ومُؤَدِّبٍ وقالَ بظلّي من مطيٍّ وراكبِ …
ويقول في الثانية
لقد أصختُ إلى نجواك من قمرِ وبتّ أُدلُج بـين الوعـي والنّظرِ
لا أَجتلي لُمحَاً حتى أعي مُلحاً عدلاً من الحكم بين السمع والبّصرِ
شرح القصيدة :
نجد أن الشاعر يصف الجبل وكأنه إنسان ويحكي لنا تجاربه التي مر بها ، وقد نجح ابن خفاجه أن يوضح لنا كيف يناجي الطبيعة بطريقة جديدة بحيث انه جعل النفس تشارك أسرار الطبيعة.
أما في قصيدة القمر فنجد أن الشاعر يناجي جميع المظاهر الطبيعية حوله من زهور ومن أنهار و من جبال ونجوم وسماء و كل ما يمر به من نسيم ومن أمطار ورياح، وكان الشعور في غالب القصيدة يميل للتفاؤل والفرح على عكس وصف الشاعر للجبل في قصيدة الجبل فكان يملأه الحزن والتأمل.
ونجد أن الشاعر عندما يصف الطبيعة وخرج من وصف النباتات والأزهار إلى وصف الحيوانات والطيور، ولذلك فإن قصائد ابن خفاجة لم تخرج عن التعبير عن حواسه عن الطبيعة وما فيها، فقد استحق أن يلقب بالجنان نظرا لوصفه الطبيعة وكأنها جنة ، لقد أحب الطبيعة وأحبته، وكان الشاعر الأندلسي الفريد في وصف الطبيعة.