يعد المتنبي واحداً من أكثر الشعراء شهرة ، وإن لم يكن الأشهر ،وحصل المتنبي على أهمية كبيرة بين شعراء زمانه فامتلك من الفصاحة والبلاغة ما لم يمتلكه الكثير من الشعراء ، وكان من الشخصيات المميزة المعتز بنفسه ونسبه كما كان يفخر بهم في مجالسه وقصائده ، وتميز المتنبي بأشعار الهجاء والرثاء والمدح للسلاطين وغيرهم من الشخصيات الهامة في زمانه ، وأشعار المتنبي تركت أثراً كبيرا ًفي الشعر العربي حتى العصر الحديث ، فما زال الشعراء والدارسون والباحثون يبحثون في أشعاره ويقومون بتحليله ودراسته .
أبو الطيب المتنبي
هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار الجعفي الكندي الكوفي ، والده جعفي ، وأمه حمدانية ولد في الكوفة في العراق بمنطقة كندة في عام ثلاث وثلاثمائة هجرياً . كبر المتنبي ونشأ نشأة علمية وأدبية فكان دائم الالتحاق بمجالس العلم والعلماء ، ونظم أول قصائده الشعرية في سن العاشرة ، وظهر تأثره فيها بالشعراء القدامى والمعاصرين ، وظهر متأثراً بعض الشئ بأخبار القرامطة والشيعة .
سر تسميته بالمتنبي
عرف المتنبي بأنه شاعراً فخوراً بنفسه ونسبه أينما ذهب وحل ، وعرف بأنه مغرور ، وكان هدفه من المفاخرة أن يعرفه كل الناس في كل مكان ، فادعى أنه نبي وكان في صحراء الشام حتى تبعه بعض من سكان تلك المنطقة ، وعند سماع السلطان بحمص بهذا قام بقتاله واعتقاله ، ولم يطلق سراحه حتى أعلن توبته من فعلته ، ولهذا أطلق عليه المتنبي .
حياة المتنبي
ولد أبو الطيب في مدينة الكوفة ، ودرس في مدرسة تابعة للشيعة وعرفت بأنها من أحسن المدارس في هذا الوقت ، وانتقل بعدها إلى البادية العربية بسوريا وهي منطقة صحراء السماوة ، وقضى مع أبيه هناك عامين ، لم يكونا مجرد عامين ، ولكن لهذان العامان أثر واضح على بلاغته وفصاحته التي تميزت بها أشعره فيما بعد .
رجع أبو الطيب المتنبي للعراق ، ولكنه لم يلبث أن غادرها سريعاً حيث لم تكن آمنة بالنسبة له في هذا الوقت ، حيث أظهر تعاطفه مع القرامطة الذين كانوا يغيرون ويعتدون على بغداد في هذه الحقبة ، فعانت الباد من عدم الاستقرار .
بدأ المتنبي حياته العملية بامتهان الشعر كوظيفة لكسب المال من خلال مدح الشخصيات الهامة والثرية في بادية الشام ، وبغداد ، ولعل أهم ما تميزت به أشعاره في هذه الفترة أنها أخذت طابع موسيقي ، وكثر استخدامه للمتضادات ، وركز على التعبيرات الموجزة .
المتنبي وسيف الدولة الحمداني
عرف سيف الدولة الحمداني بأنه أميراً وشاعراً وأديباً ، طالما أحب أن يحيط نفسه بأمهر الشعراء والأدباء ، بينما كان المتنبي في هذا الوقت يمكث بجانب أبي العشائر في أنطاكية ، إلا أنه تمنى القرب من سيف الدولة الحمداني ، فقام أبو العشائر بتقديمه لسيف الدولة الحمداني ليكون شاعراً تحت إمرته ، فسرعان ما وافق المتنبي ، ولكنه اشترط أن يظل مفتخراً بنفسه ونسبه وطلب الحفاظ على هذا الفخر ، وطلب من سيف الدولة عدم معاملته كباقي الشعراء ، فوافق سيف الدولة .
وسرعان ما توطدت العلاقة بينهم فأصبحت قوية فكانا أقرب من صديقين حميمين ، وأظهر سيف الدولة سخائه وكرمه مع المتنبي ، فكتب المتنبي الكثير من القصائد لسيف الدولة ، ومن أبرز هذه القصائد القصيدة العصماء التي نظمها عندما انتصر سيف الدولة على الروم في معركة ثغر الحدث عام 343 من الهجرة ، وبدأت العلاقة بينهم في اضطراب بسبب حسد الحاسدين الذين يحاولون الإفساد بينهم في كل وقت ، فقام المتنبي بعتاب سيف الولة على تصديقه لتلك المكائد والضغائن ، وكتب لع بعض الأبيات الشعرية ، فيما رد عليه سيف الدولة بأبيات أخرى تدل على عدم رضاه ، واستمرت المعاتبة بينهم على شكل أبيات شعرية حتى قام سيف الولة بقذفه في وجهه بمحبرة في أحد المجالس .
علاقة أبو الطيب المتنبي بكافور
انتقل أبو الطيب المتنبي للعيش في مصر ، وكان كافور الإخشيدي سلطانها في ذلك الوقت ، وكان عبداً مملوكاً استطاع بذكائه أن يرتقي لمنصب سلطان ، اهتم كافور بالمتنبي وأغدق عليه الكثير من الأموال فمدحه المتنبي في بعض القصائد ، وعندما بدأ في التضيق عليه بعد ما تم التضيق عليه في مصر ، فلم يجد منه بعد ذلك خيراً فقام بهجائه بأقبح قصائد الهجاء ، وبدأ المتنبي بالشعور بالغربة في مصر ، فقرر أن يتركها ويرحل عام 350 من الهجرة عائداً للكوفة بالعراق .
مقتل أبي الطيب المتنبي
هناك الكثير من الروايات بهذا الشأن ، ولكن اجتمع المؤرخون على قصة ، وهي عندما كتب المتنبي قصيدة هجاء عن ابن أخت فاتك الأسدي وهو ضبة بن يزيد العتبي ، والذي عرف بغدره وبذائة لسانه فكرهه الناس لكثرة أذاه لهم ، فلجأوا للمتنبي ليكتب لهم قصيدة هجاء له ، فهجاه المتنبي بأقبح قصائد الهجاء ، وعند خروجه لبغداد قام أحد أصدقائه بتبليغه نية فاتك الأسدي في إيذائه ، ونصحه باصطحاب من يحميه في الطريق إلا أنه رفض ، فخرج ومعه غلمانه ، فلقيهم فاتك ومعه مجموعة من أصحابه وهموا بقتاله ، فحاول المتنبي الهروب ، فقال له أحد غلمانه : أولست من قلت :
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فأثرت الكلمات على المتنبي ودخل في القتال معهم ، وقتل هو وغلمانه وهم في طريقهم لبغداد بمنطقة دير العاقول .