الخلايا العظمية لا تشكل عظام جديدة فحسب، بل تؤثر أيضا على مستوى السكر في الدم، وقد اكتشف العلماء الآن آلية جديدة تتحكم في هذه الصلة، حيث أن تحديد الأيض من الخلايا العظمية يحدد مقدار السكر الذي يتم استخدامه، فإذا كانت الخلايا العظمية تستهلك المزيد من السكر أكثر من المعتاد، فإن هذا يمكن أن يقلل من مستوى الجلوكوز في الدم، وقد يسهم هذا البحث في العلاجات المستقبلية لأمراض مثل هشاشة العظام والسكري .
صلة جديدة بين الخلايا العظمية ومستوى السكر في الدم
غالبا ما ينظر إلى الهيكل العظمي على أنه نسيج خامل، ولكن هذا التصور خاطئ تماما، ففي الواقع يتم إعادة تشكيل الهيكل العظمي باستمرار، حيث أن شظايا العظام القديمة تترسب إلى أسفل، لكي تظهر مكانها العظام الجديدة، مما يؤدي إلى ظهور هيكل عظمي مجدد تماما كل عشر سنوات، وهناك خلايا محددة تشكل العظام والخلايا الأخرى .
وفي أمراض مثل هشاشة العظام تكون الخلايا الأخيرة نشطة جدا وتكون الكثير من العظام متدهورة، ومعظم الأدوية التي تستخدم حاليا تهدف في المقام الأول إلى عرقلة هذه الخلايا، ولسوء الحظ فإن هذا يعني بصورة عامة أن الخلايا المسئولة عن تشكيل العظام تتوقف عن العمل، ونتيجة لذلك يتم إيقاف تجديد العظام، بالإضافة إلى فقدان العظام، وتدهور نوعيتها أيضا، وفي نهاية المطاف فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى حدوث كسور وتمزقات مؤلمة يصعب علاجها .
كيفية تطوير أدوية جديدة
ولتطوير أدوية جديدة فإن العلماء يقوموا بدراسة كيفية تنشيط الخلايا المكونة للعظام، ومن أجل تحقيق ذلك فمن الضروري أن نفهم بالضبط كيف تعمل هذه الخلايا، وتقول البروفيسورة كريستا ميس ” يركز بحثنا على كيفية ظهور هذه الخلايا العظمية وتشكيل العظام في الأماكن الصحيحة، وتعد التغذية والإمدادات الجيدة للدم أمر حيوي للخلايا العظمية لكي تعمل بشكل جيد، ولكننا لا نفهم حتى الآن المعنى الكامل وراء الصلة الوثيقة بين الأوعية الدموية وخلايا العظام، ويعد أحد الأوجه هو أن الأوعية الدموية توفر الأكسجين، وقد قمنا في هذه الدراسة بالتحقيق في أهمية الأكسجين من خلال تحليل التغير الذي يحدث للفئران، والتي تجعل خلايا العظام لديهم تتصرف كما لو أنها حرمت من الأكسجين .
اكتشافات الباحثون
وجد الباحثون نتيجتين حول هذا الأمر، أولا : شكلت الفئران عظام ثقيلة بشكل غير طبيعي، وداخل العظام لاحظ العلماء أن الخلايا العظمية تمتص كميات هائلة من الجلوكوز، وتتماشى تلك الملاحظة مع الاستجابة المعتادة للخلايا عند الحرمان من الأكسجين، حيث تحافظ على استهلاك الأكسجين عن طريق تحويل الجلوكوز إلى اللاكتات بدلا من حرق الجلوكوز، ولا حاجة إلى أكسجين لهذا التحويل، ولكن الجانب السلبي هو أنه حدث إنتاج كميات أقل من الطاقة، ومن أجل توليد الطاقة الكافية فإن الخلايا العظمية في الفئران تأخذ الكثير من الجلوكوز أكثر من المعتاد .
وتقول طالبة الدكتوراه نعومي ديركس ” كان التأثير الثاني الغير متوقع إلى حد ما، هو أن الفئران أصبحت نحيلة، ” مع ملاحظة أن الفئران لم تكتسب وزنا عندما تقدمت في السن “، مثلما تفعل الفئران العادية، ومع ذلك فإنها كانت تأكل كميات كبيرة من الطعام مع زملائهم العاديين، وكانوا كذلك أقل نشاطا بدنيا، وقد كشفت المزيد من الأبحاث أن هذه الفئران كان لديها انخفاض في مستويات السكر في الدم ” .
وقالت البروفيسورة كريستا ميس ” يبدو أن كلا التأثيرين كانوا متصلين ببعضهم البعض، حيث أن الفئران التي كانت تستوعب كميات أكبر من الجلوكوز في هيكلها العظمي، كانت لديها مستويات أقل من الجلوكوز في دمائها، وعلى هذا النحو فإن تغيير التمثيل الغذائي في الخلايا العظمية تسبب في أن يكون هناك فوائد كبيرة لكامل جسد الفئران، سواء من حيث مستوى الجلوكوز، أو من حيث الحصول على جسد نحيل، وهذا يكشف عن وجود صلة جديدة بين العظام ومستوى السكر في الدم ” .
النتيجة النهائية
هذه النتيجة التي توصل لها الباحثون تقدم زوايا جديدة لمزيد من البحث في أمراض مثل هشاشة العظام والسكري والبدانة، ففي مرض السكري على سبيل المثال، نحن نرى ارتفاع مستويات السكر في الدم جنبا إلى جنب مع وجود نوعية سيئة من العظام، والتي تؤدي بسهولة إلى حدوث التمزقات والكسور، ومع هذه المعرفة الجديدة يمكننا الاستمرار في العمل على العلاجات التي يمكن أن تحل كل هذه المشاكل على حد السواء ، على الرغم من أن هذا سوف يتطلب بالطبع الكثير والمزيد من سنوات البحث .
المصدر : ساينس ديلي