عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن مخزوم، وهو من نخبة الشعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام، وأحد أفضل فرسان العرب وأكثرهم شجاعة، ومن أشهر شعراء المعلّقات، والتي تعتبر من أهم ما كتبه شعراؤنا العرب في العصر الجاهلي، وسبب تسميتها بالمعلقات يرجع لروايتين، الأولى تقول أنّ هذه الكتابات أشبه ما تكون بالعقود الثمينة، والتي تبقى عالقة في أذهان الناس، نظراً لعذوبة كلماتها، وجمال معانيها.

أمّا الرواية الثانية فهي تُرجع سبب التسمية، إلى أنّ تلك القصائد كانت تُكتب بماء الذهب، على ورق البردي، ويتم تعليقها على جدران الكعبة، حيث اعتُبرت هذه القصائد، من أجمل ما قيل في الحب والغزل في الشعر العربي القديم، وكان الناس يتسابقون لتدوينها، وحفظها عن ظهر قلب لشدة جمالها. وسنستعرض في هذه المقالة، بعض من المعلومات حول حياة عنترة بن شداد، وبعضاً من قصائده الشعرية.

نبذة عن حياة الشاعر عنترة بن شداد
وُلد عنترة بن شداد سنة 525 م، خلال الربع الأول من القرن السادس الميلادي، في منطقة الجزيرة العربية، من أم حبشية تدعى زبيبة ذات لون أسود، كانت قد وقعت أسيرة بسبب هجمة على قافلتها، فأحبّها عمرو ، وأنجب منها عنترة، ولديها أولاد آخرين هم إخوة لعنترة من أمّه، وهم جرير وشيبوب، وكلّهم عبيد، وقد كان كان العرب آنذاك لا يعترفون بالعبيد، إلا إذا تميزوا على أقرانهم، ببطولة أو بقصائد شعرية وما إلى ذلك.

وقد عانى عنترة من قساوة الحياة، والذل والهوان، حيث كان والده يتحكم به، ويعاقبه أشدّ العقاب على أيّ خطأ، قد يعتقد أنّه فاعله حتى ولو لم يكن مرتكب الذنب، فمثلاً ذات مرة كذبت سميّة زوجة أبيه، واتهمت عنترة بأنّه يقوم بالتحرش بها، ومراودتها عن نفسها، فغضب والده غضباً شديداً، وبدأ بضربه بالعصا والسيف، ومعاقبته أسوأ عقاب، ولمّا رأت سميّة هذا الموقف تأثرت من شدة الضرب، ورقّ قلبها وطلبت من زوجها التوقف عن الضرب والصفح عنه، وفعلاً استجاب الأب لطلبها، وكتب عنترة هذه القصيدة، تعبيراً عن مدى ألمه لواقعه المرير ومعاناته من ظلم المعيشة.
أمِن سميّة دمع العين تذريف                                  لو أنّ ذا منك قبل اليوم معروف
كأنّها يوم صدّت ماتكلمني                                      ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف
تجللتني إذ أهوى العصا قِبلي                                 كأنّها صنم يُعتاد معكوف
المال مالكم والعبد عبدكم                                      فهل عذابك عنّي اليوم مصروف
تنسى بلائي إذا ماغارة لقحت                                تخرّ منها الطوالات السراعيف
يخرجن منها وقد بلّت رحائلها                                  بالماء يركضها المُرد الغطاريف
لا شكّ للمرء أنّ الدهر ذو خلف                                فيه تفرّق ذو إلف ومألوف

عبلة بن مالك، والتي اختلفت المصادر التاريخية حول نهايتها، ولكن توجد أدلة شعرية على الحب والحرمان اللذين رافقهما. وقد عُرف عنترة بشجاعته وقوته، وحدّة طباعه والتي ورثها عن والده، الأمر الذي جعل عبلة ابنه عمّه، تنجذب إليه ونشأ الإحساس القوي بينهما.

وفعلاً طلب عنترة بكل شجاعة، يد عبلة من عمّه، ولكنّه رفض وذلك بسبب اللون الأسود لعنترة ووالدته الجارية، والدم الذي يجري في عروقه ليس دماً عربياً، ويُقال أنّه طلب منه طلباً تعجيزياً، وهو إحضار ألف ناقة من نوق الملك النعمان، كمهراً لابنته، ويُقال أيضاً أنّ عنترة ذهب فعلاً لإحضار تلك النوق، وقد عانى صعوبات جمّة في سبيل إحضارها، وحقق ببطولات خارقة، وبالفعل استطاع تلبية طلب عمّه، ورجع إلى القبيلة ومعه مهر عبلة.

ومع ذلك استمر عمّه بالتأجيل، وتكليفه بكل ما هو صعب، ويُقال في إحدى الروايات، أنّ عمّه طلب من فرسان القبيلة أن يأتوا له برأس عنترة كمهر لابنته، وأخبرهم أنّ الذي سينجح بذلك سيتم تزويجه لعبلة، ولكنّ هذه الرواية لا يوجد تأكيد لصحتها. والبعض يقول أنّ نهاية قصة الحب، بين عنترة وعبلة هو زواجهما، والبعض الآخر يقول بأنّه لم يتزوجها، وإنّما تزوجها فارس آخر من فرسان العرب. ومن المرجح أنّ عنترة لم يتزوج عبلة، وذلك بسبب وجود أبيات شعرية يتحدث فيها عن عبلة، وبأنّ زوجها فارس عربي ضخم، أبيض اللون، حيث يقول في إحدى قصائده الموثوق بصحتها، والتي رواها الأصمعي:
إما تريني قد نحلت ومن يكن             غرضاً لأطراف الأٍنة ينحل
فلرب أبلج مثل بعلك بادن                 ضخم على ظهر الجواد مهبل
غادرته متعفرا أوصاله                       والقوم بين مجرح ومجدل

المعلقة الشهيرة لعنترة بن شدّاد
مثل جميع شعراء المعلّقات، قام عنترة بن شدّاد بتنظيم معلّقة فريدة من نوعها، تبدأ بفراق الأحباء، حيث يتذكر محبوبته عيلة، ثمّ يتذكر شجاعته وفروسيته، وبطولاته القوية في هزيمة الأعداء، لقد نظّم هذه المعلقة، وذلك بعد أن شتمه رجل، وعايره بسبب لونه الأسود، وأمّه الجارية وإخوته العبيد، لذا فقد تغنّى بهذه القصيدة الطويلة، ليفتخر بنفسه أمام الجميع على الملأ الواسع.

هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم
أعياك رسم الدار لم يتكلم حتى تكلم كالأصم الأعجم
ولقد حبست بها طويلاَ ناقتي أشكو إلى سفع رواكد جثم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي و عمي صباحاً دار عبلة و اسلمي
دار لآنسة غضيض طرفها طوع العناق لذيذة المتبسم
فوقفت فيها ناقتي و كأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
و تحل عبلة بالجواء و أهلنا بالحزن فالصمان فالمتثلم
حييت من طللٍ تقادم عهده أقوى و أقفر بعد أم الهيثم
حلت بأرض الزائرين فأصبحت عسراً علي طلابك ابنة محرمٍ
علقتها عرضاً و أقتل قومها زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم
و لقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
كيف المزار و قد تربع أهلها بعنيزتين و أهلنا بالغيلم
إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمت ركابكم بليلٍ مظلم
ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الخمخم
فيها اثنتان و أربعون حلوبةً سوداً كخافية الغراب الأسحم
إذ تستبيك بذي غروبٍ واضحٍ عذبٍ مقبله لذيذ المطعم
و كأن فارة تاجرٍ بقسيمةٍ سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضةً أنفاً تضمن نبتها غيثٌ قليل الدمن ليس بمعلم
جادت عليه كل بكرٍ حرةٍ فتركن كل قرارةٍ كالدرهم
سحاً و تسكاباً فكل عشيةٍ يجري عليها الماء لم يتصرم
و خلا الذباب بها فليس ببارحٍ غرداً كفعل الشارب المترنم
هزجاً يحك ذراعه بذراعه قدح المكب على الزناد الأجذم
تمسي و تصبح فوق ظهر حشيةٍ و أبيت فوق سراة أدهم ملجم
وحشيتي سرجٌ على عبل الشوى نهدٍ مراكله نبيل المحزم
هل تبلغني دارها شدنيةٌ لعنت بمحروم الشراب مصرم
خطارةٌ غب السرى زيافةٌ تطس الإكام بوخد خفٍ ميتم
فكأنما أقص الإكام عشيةً بقريب بين المنسمين مصلم
تأوي له قلص النعام كما أوت حذقٌ يمانيةٌ لأعجم طمطم
يتبعن قلة رأسه و كأنه حدجٌ على نعشٍ لهن مخيم
صعلٍ يعود بذي العشيرة بيضه كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
شربت بماء الدحرضين فأصبحت زوراء تنفر عن حياض الديلم
وكأنما تنأى بجانب دفها الـ وحشي من هزج العشي مؤوم
هرٍ جنيبٍ كلما عطفت له غضبى اتقاها باليدين وبالفم
أبقى لها طول السفار مقرمداَ سنداَ ومثل دعائم المتخيم
بركت على جنب الرداع كأنما بركت على قصبٍ أجش مهضم
وكأن رباً أو كحيلاً معقداً حش الوقود به جوانب قمقم
ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرةٍ زيافةٍ مثل الفنيق المكدم
إن تغدفي دوني القناع فإنني طبٌ بأخذ الفارس المستلئم
أثني علي بما علمت فإنني سمحٌ مخالقتي إذا لم أظلم
فإذا ظلمت فإن ظلمي باسلٌ مرٌ مذاقه كطعم العلقم
ولقد شربت من المدامة بعدما ركد الهواجر بالمشوف المعلم
بزجاجةٍ صفراء ذات أسرةٍ قرنت بأزهر في الشمال مفدم
فإذا شربت فإنني مستهلكٌ مالي وعرضي وافرٌ لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندىً وكما علمت شمائلي وتكرمي
وحليل غانيةٍ تركت مجدلاً تمكو فريصته كشدقٍ الأعلم
سبقت يداي له بعاجل طعنةٍ ورشاش نافذةٍ كلون العندم
هلا سألت الخيل يا بنة مالكٍ إن كنت جاهلةً بما لم تعلمي
إذ لا أزال على رحالة سابحٍ نهدٍ تعاوره الكماة مكلم
طوراً يجرد للطعان وتارةً يأوي إلى حصد القسي عرمرم
يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم
فأرى المغانم لو أشاء حويتها فيصدني عنها الحيا وتكرمي
ومدجج كره الكماة نزاله لا ممعنٍ هرباً ولا مستسلم
جادت له كفي بعاجل طعنةٍ بمثقفٍ صدق الكعوب مقوم
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
فتركته جزر السباع ينشنه يقضمن حسن بنانه والمعصم
ومشك سابغةٍ هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
ربذ يداه بالقداح إذا شتا هتاك غايات التجار ملوم
لما رآني قد نزلت أريده أبدى نواجذه لغير تبسم
عهدي به مد النهار كأنما خضب البنان ورأسه بالعظلم
فطعنته بالرمح ثم علوته بمهندٍ صافي الحديدة مخذم
بطلٍ كأن ثيابه في سرحةٍ يحذى نعال السبت ليس بتوأم
يا شاة ما قنصٍ لمن حلت له حرمت علي و ليتها لم تحرم
فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي فتجسسي أخبارها لي و اعلمي
قالت رأيت من الأعادي غرةً و الشاة ممكنةٌ لمن هو مرتم
و كأنما التفتت بجيد جدايةٍ رشإٍ من الغزلان حرٍ أرثم
نبئت عمراً غير شاكر نعمتي و الكفر مخبثةٌ لنفس المنعم
و لقد حفظت وصاة عمي بالضحا إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
في حومة الحرب التي لا تشتكي غمراتها الأبطال غير تغمغم
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم عنها و لكني تضايق مقدمي
لما رأيت القوم أقبل جمعهم يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنتر و الرماح كأنها أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحره و لبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه و شكا إلي بعبرةٍ و تحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى و لكان لو علم الكلام مكلمي
و لقد شفى نفسي و أبرأ سقمها قبل الفوارس ويك عنتر أقدم
وَالخَيلُ تَقتَحِمُ الخَبارَ عَوابِساً مِن بَينِ شَيظَمَةٍ وَآخَرَ شَيظَمِ
ذُلُلٌ رِكابي حَيثُ شِئتُ مُشايِعي لُبّي وَأَحفِزُهُ بِأَمرٍ مُبرَمِ
إني حداني أن أزورك فاعلمي ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي
حالت رماح ابني بغيض دونكم وزوت جواني الحرب من لم يجرم
ولقد كررت المهر يدمي نحره حتى إتقتني الخيل بابني حذيم
وَلَقَد خَشيتُ بِأَن أَموتَ وَلَم تَدُر لِلحَربِ دائِرَةٌ عَلى اِبنَي ضَمضَمِ
الشاتِمَي عِرضي وَلَم أَشتِمهُما وَالناذِرَينِ إِذا لَم اَلقَهُما دَمي
إِن يَفعَلا فَلَقَد تَرَكتُ أَباهُما جَزَرَ السِباعِ وَكُلِّ نَسرٍ قَشعَمِ