“وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلً* يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا”، الآية السابعة والعشرون والثامنة والعشرون من سورة الفرقان.
تفسير عض اليد في الآية
– عض الأنامل واليدين، وأكل البنان، والسقوط في اليد، وحرق الأرم والأسنان، وقرعها، جميعها كنايات عن الحسرة والغيظ؛ لأنها من معانيها، فيقوم بذكر الرادفة ويشير بها على المردوف، فيعلو الكلام به إلى طبقة الفصاحة، ويجد من يستمع عنده في نفسه من الاستحسان الروعة ما لا يجده عند اللفظ المكنى عنه.
– وقيل أن الآية قد نزلت في عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس، وكان كثير المجالسة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: “اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين، ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال: صبأت يا عقبة؟ قال: لا، ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي، فاستحييت منه فشهدت له والشهادة ليست في نفسي، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه، فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف”، فتم قتله يوم بدر: حيث أمر علي رضي الله عنه بقتله.
– وقيل: تم قتله على يد عاصم بن ثابت بن أفلح الأنصاري وقال: يا محمد، إلى من السبية قال: إلى النار. وطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفضا بأحد، فعاد إلى مكة ومات.
تفسير الظالم في الآية
– أما اللام في كلمة “الظالم” يجوز أن تشير للعهد، يراد به عقبة بالأخص، ويجوز أن تكون أيضا للجنس فتخص عقبة وغيره، تمنى لو أنه اصطحب الرسول صلى الله عليه وسلم وسار معه في طريق واحد ألا وهو طريق الحق ولم ينحرف به إلى طرق الضلالة والهوى.
– أو أراد أنه كان ضالا لم يكن له سبيل قط، فليته حصل بنفسه في صحبة الرسول طريقا، وقرئت: “يا ويلتي” بالياء، وهو الأساس؛ حيث أن الرجل ينادي ويلته والتي تعني هلكته، ويقول لها: تعالي فهذا وقتك، وإنما قلبت الياء ألفا كما جاءت في: مدارى وصحارى.
– وكلمة فلان إنما هي كناية عن الأعلام، كما أن الهن هي كناية عن الأجناس فإن أرغب بالظالم عقبة، فالتفسير: ليتني لم أخذ من أبي خليل أو رفيق، فاستخدمت الكناية عن اسمه.
– وإن أراد به الجنس، فكل من اتبع من المضلين رفيقا كان لرفيقه اسم علم بلا شك، فجعله كناية عن الذكر عنه أي عن ذكر الله، أو موعظة الرسول أو القرآن، كما يجوز أن رغب نطقه بشهادة الحق وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وعزمه على اعتناق الإسلام، أما الشيطان فهو إشارة إلى الخليل، وقد سماه شيطانا لأنه أضل طريق الحق كما يضل الشيطان، ثم لم ينفعه في العاقبة وخذله.
– أو رغب إبليس، وأنه هو من قام بحمله على الانحراف عن طريق الحق ومرافقة المضل ومخالفة الإسلام والرسول، ثم خذله.
تفسير ابن كثير للآية
– إن قول الله تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) يشير إلى إخبارنا بأن الظالم الذي يفارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما كلفه الله به، من الحق المبين، وقام بسلك الطرق الأخرى المخالفة لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتي يوم القيامة ليندم حيث لا يفيد الندم بشيء، وقام بالعض على يديه من شدة الأسف والحسرة.
– وسواء نزلت تلك الآية بسبب عقبة بن أبي معيط أو غيره من بقية الأشقياء، فإن تلك الآية عامة لتشمل كل الظالمين، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا* وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا* رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) فكافة الظالمين يأتون يوم القيامة ويندمون أشد الندم الذي لا فائدة له في ذلك الوقت، ويقوم بالعض على يديه قائلا (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا).
تفسير ابن عباس في رواية عطاء الخراساني للآية
يقول أنه كان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن خلف، ويقوم بمجالسته والاستماع إليه وإلى كلامه بدون أن يؤمن به، فقام عقبة بن أبي معيط بزجره، وكان ذلك هو سبب نزول تلك الآية.
تفسير الشعبي للآية
كان عقبة بن أبي معيط رفيقا لأمية بن خلف، وعندما اعتنق عقبة الإسلام قال أمية: (وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا) وارتد وكفر، فنزلت تلك الآية.
تفسير الضحاك للآية
عندما قام عقبة بالبزق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، عادت إلى وجهه فانقسم قسمين، واحترق خديه، ليؤثر ذلك فيه ويموت.