نحن الآن أمام قامة كبرى في تاريخ الأدب العربي الحديث نتحدث عن اليوم عن الشاعر والأديب والسفير والدبلوماسي والوزير السعودي الدكتور غازي القصيبي ، والذي قد حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة من مصر وحصل على الماجستير من جامعة جنوب كاليفورنيا ، وتمكن من الحصول على الدكتوراه من لندن في العلاقات الدولية ، ترك لنا هذا الدبلوماسي المحنك والأديب الرائع مجموعة من القصائد الأدبية الرائعة والعديدة ، لذلك أردنا اليوم أن يكون معنا أفضل هذه القصائد وهذه الأشعار ليظل خالدا معنا بذكراه رغم وفاته في عام 2010
قصيدة في حب القاهرة بعد غيابه عنها
أهذي أنتِ؟.. أم هذا خيالي
جلاكِ… وبيننا بحرُ الليالي؟
أقاهرتي! تُرى أذكرتِ وجهي
فتاكِ أنا المعذّب بالجمالِ؟
سلي عني المليحاتِ اللواتي
نظمتُ لهنّ ديوان اللآلي
سلي عني أباكِ النيلَ يشهدْ
بصدقي في الصدود.. وفي الوصال
سلي الأهرامَ عن حُبّ عصوفٍ
خبأت دموعه بين الرمالِ
سلي عني من السنوات خمساً
فِداها العُمر! عاطرة الخصالِ
أعود إليكِ.. والأيام صرعى
تمزّقها السنين.. ولا تبالي
فوا أسفاه! عاد فتاكِ شيخاً
يفرُّ من الوجومِ إلى الملالِ
أنوء إذا وقفت بحمل ثوبي
وأعثر حين أمشي بالظلالِ
أأعجب حينما تنسين وجهي؟
نسيتُ أنا ملامحه الخوالي!
مررتُ على الديار.. فضعتُ فيها
غريباً حائراً بين الرجال
فلا الشبّاكُ تومضُ فيه سلوى
ولا هند تطلُّ من الأعالي
ولا المقهى يهشّ إذا رآني
ولا من فيه يسأل كيف حالي
وأين الصحب.. هل آبوا جميعاً
كما آب الشبابُ.. إلى المآل؟
هنا.. كان الصبا يملي القوافي
فأكتبُها.. لأجفان الغزالِ
وكان الشعر يغري بي الصبايا
كما تُغوى الهدايةُ بالضلالِ
هنا.. واليوم أسأل عن حياتي
فأُفجعُ بالجوابِ… وبالسؤالِ
أقاهرتي! افترقنا ثلثَ قرنٍ
فهل لي أن أبثكِ ما بدا لي؟
ذرعتُ مناكب الصحراء.. حتى
شكتْ من طول رحلتها رحالي
وجبتُ البحر.. يدفعني شراعي
إلى المجهولِ.. في جُزرِ المُحالِ
وعانقتُ السعادة في ذراها
وقلبني الشقاء على النضال
كرعتُ هزيمةً.. ورشفتُ نصراً
فمات الشهد في سم الصلال
ضحلتُ.. وضجةُ الأصحاب حولي
ونحتُ.. وللنوى وخزُ النبالِ
وعدتُ من المعارك.. لستُ أدري
علامَ أضعتُ عُمري في النزالِ
وماذا عنكِ؟ هل جربت بعدي
من الأهوالِ قاصمة الجبالِ؟
وهل عانيتِ ما عانيتُ.. جُرحاً
تجهّمه الطبيبُ! بلا اندمال؟
على عينيكِ ألمح برق دمعٍ
أحالكِ يا حبيبةُ مثل حالي؟
وعن الصحراء قال
وطفت الكون لم أعثر
على أجدب من أرضك
على أطهر من حبك
أو أعنف من بغضك
عدت إليك يا صحراء
على وجهي رذاذ البحر
وفي روحي سراب بكاء
وطيف سابح في السحر
وومض ضفيرة شقراء
وفي شفتي بيتا شعر
وأغنية بلا أصداء
رجعت إليك مهموما
لأني لم أجد في الناس
من يؤمن بالناس
رجعت إليك محروما
لأن الكون أضلاع
بلا قلب
لأن الحب ألفاظ
مجردة ن الحب
رجعت إليك مهزوما
لأني خضت معركة الحياة
بسيف إحساسي
وعدت إليك .. ألقيت بمرساتي
على الرمل
غسلت الوجه بالطل
كأنك عدها ناديتني
وهمست في أذني
” رجعت إلي يا طفلي؟”
أجل أماه ..
عدت إليك
طفلا دائم الحزن
تغرب في بلاد الله
لم يعثر على وكره
وعد اليوم يبحث فيك عن عمره
وعدت إليك يا صحراء
ألقي جعبة التسيار
أغازل ليلك المنسوج من أسرار
و أنشق في صبا نجد
طيوب عرار و أحيا فيك للأشعار و الأقمار
وعن السكوت قال
ميتة حروفنا
مثل ضمائر الطغاة
ما اغتسلت في بركة الحياة
ولا درت ما رعشة المخاض
ما ألم الجراح
ما روعة السير على الرماح
نحلم أن عالما قيود
ينبت من أقلامنا المشلولة
نحلم أن موسما من الورود
يزهر في صدورنا المسلولة
نحلم بالمعجزة الجديدة
نابعة من فوهة القصيدة
تعبث إسرائيل في مساجدي
تنتف ذقن والدي
و أختفي
كالفأر في قصائدي
حين يخاف الشاعر المقدام أن يموت
يصبح أحلى شعره السكوت
وعن المطر قال
كقطرة من مطر ،، تحدري تحدري
استرسلي ناعمة ،، شهية كالخدر
وأشعريني أنني ،، الطفل الذي لم يكبر
يغفو على صدركِ ،، نومَ اللحن فوق المزهر
وضمدي الجرح الذي ،، عدت به من سفري
كقطرة من مطرِ ،، تغلغلي في ضجري
في قلقي ، في حُرَقي ،، في كدري ، في سهري
في قلبي الذي استحال ،، قطعة من حجر
تغلغلي ، تـغلـغـلي ،، وغسلي ، وطهري
ردي إلي نفحة ،، من الشباب العطر
وعن الليل قال
.فقولي إنه القمر!
أو البحر الذي ما انفك بالأمواج..
والرغبات يستعر
أو الرمل الذي تلمع
في حبّاته الدرر
لجوز الهند رائحة
كما لا يعرف الثمر
فقولي إنه الشجر!
وفي الغابة موسيقى
طبول تنتشي ألماً
وعرس ملؤه الكدر
فقولي إنه الوتر
أيا لؤلؤتي السمراء!
يا أجمل ما أفضى له سفر
خطرتِ .. فماجت الأنداء.. والأهواء..
والأشذاء.. والصور
وجئت أنا
وفي أهدابي الضجر
وفي أظفاري الضجر
وفي روحي بركان
ولكن ليس ينفجر
فيا لؤلؤتي السمراء!
ما أعجب ما يأتي به القدر
أنا الأشياء تحتضر
وأنت المولد النضر
فقولي إنه القمر
أأعتذر
عن القلب الذي مات
وحلّ محله حجر؟
عن الطهر الذي غاض
فلم يلمح له أثر؟
وقولي: كيف أعتذر؟
وهل تدرين ما الكلمات؟..
زيف كاذب أشر
به تتحجب الشهوات..
أو يستعبد البشر
فقولي إنه القمر!.
أتيتك …
صحبتي الأوهام .. والأسقام ..
والآلام .. والخور
ورائي من سنين العمر ..
ما ناء به العمر ..
قرون .. كل ثانية
بها التاريخ يختصر
وقدّامي
صحارى الموت .. تنتظر
فيا لؤلؤتي السمراء! كيف يطيب
لي السمر؟
وكيف أقول أشعاراً
عليها يرقص السحر؟
قصيدي خيره الصمت
فقولي إنه القمر!
أنا؟!
لا تسألي عني
بلادي حيث لا مطر
شراعي الموعد الخطر
وبحري الجمر والشرر
وأيامي معاناة
على الخلجان.، . والإنسان .. والأوزان ..
تنتشر
وحسبك .. هذه الأنغام .. والأنسام
والأحلام..
لا تبقي ولا تذر
فقولي إنه القمر
غداً؟ لا تذكريه!…
غداً
تنادي زورقي الجزر
ويذوي مهرجان الليل
لا طيب ولا زهر
فقولي إنه القمر!