اليوم قد تتجلى بنا الجماليات وتأخذنا إلى قصائد من شاعر رائع كم أعطانا من كلمات الرومانسية والحنين كم إحساسه المرهف غمرنا في كلمات هذت قلوب الكثيرين ، أنه الشاعر السعودي الرائع يحيي توفيق حسن الذي ولد في جدة عام 1929 و حاصل على الثانوية العامة عام 1948م ، كما قد حصل على دبلوم اللغة الانجليزية وعمل في العديد من الشركات الخاصة في السعودية وتميز بالشعر وكتابة الدواوين بالسعودية وأصدر له أول ديوان عام 1938 باسم أدوية الضياع كما أتبعاها بعدة دواوين مثل ديوان سمراء في عام 1985 وافترقنا يا زمن عام 1987 وما بعد الرحيل عام 1990 وحبيبتي أنت عام 1992 والآن سوف نعرض جزء من قصائد هذا الشاعر المرهف نتمنى أن تنول إعجابكم .
قصيدة جاءت تسير
جاءت تسيّر على أهداب أشعاري … تدنو تهدهدها أنات قيثاري
العطر نكهتها و السحر ضحكتها … و الرقص خطوتها يا بؤس أقداري
قالت أحبك … قلت الحب يا نغمي … نار و اخشي عليك الخوض في النار
لا … لن تكوني لقلب جاع مائدة … صوني صباك و لا تأسي لإبحاري
لا تكبريني كأني في الهوى ملك … أنا الصغير و إن أدمنت إكباري
لا … لن تكوني لقلبي لعبة أبدا … ولست أرضاك قربانا لأوزاري
هذا البريق الذي أغراك من ألقي … ألهاك أن تلحظي حزني و أقداري
شاخ الزمان على قلبي فأوهنه … و أخرس الدهر قيثاري و مزماري
الحزن في أضلعي غاصت أظافره … و أستوطن السهد أحدقي و أنظاري
سيري … دعيني و لا تأسي على رجل … أفضى به اليأس من دنياك للنار
لا لن تكوني لروضي زهرة عبقت … بالعطر .. كم ذبلت بالشم أزهاري
بحثت عنك طويلا و الصبا عبق … و أنهر الحب تروي حرف أشعاري
فما وجدتك إلا و الصبا مزق … و زهرة الحب قد جفت بأشجاري
أنا أحبك في يأس يعذبني … وسوف أحميك من طيشي … بإيثاري
وسوف أرحل لا أدنو إلى بلد … أراك فيه فلا تستوحي أخباري
أنا أحبك حبا عاش في خلدي … حتى سكنتك و استوطنت أفكاري
فخضت حبك كالإعصار مندفعا … حتى راك على عيني سماري
لمي جراحك … لن أنساك يا قدري … مهما نأيت … ومهما طال مشواري
إني أراك ملاكا لن أدنسه … لنزوة عبرت في كف أسراري
وسوف أبكيك مهما طال بي أجلي … ودمر الحزن أصالي و أسحاري
هذا مصيري و لا منجاة من قدر … لا شئ يمكنه تغير أقداري
قصيدة الرسم بالحروف
في كل حينٍ للحوادث حالُ … يقسو الزمان وتخفِق الآمال
تلهو بنا أيامنا ويذيبنا … حزن يطول ودمعة تُغتال
قل للذي خالَ الوفاء سجيةً … للدهر.. لا يفسد حِجاكَ خيال
فالعيش يفنى والحياة بأسرها … يغدو بها نحو الخراب زوال
وعلى الخلائق للزمان تلوُّن … تبلى الحياة وتغرب الآجال
والدهر يدأب كي يعمِّق شرخَنَا … فينا.. ويُضني عمرَنا الترحال
فإذا دروب العيش وهي وفيرة … ضاقت بنا.. وتغيرت أحوال
وإذا الأسى يغتالنا.. ويريبنا … بؤس.. وتطفئ فَرْحَنا الأهوال
وإذا أمانينا التي رقصت بنا … تغفو.. ويسكُننا الغداة مَلال
وإذا الديار كأمسها لكنها … من يأسنا بعيوننا أطلال
وتبخَّرت في لحظة أحلامنا … وطوى لياليَنا شجاً قتَّال
وجفا قريب طالما كنَّا له … عوناً.. إذا عنه الأحبة زالوا
وكذا الحياة وريبها يشقى بها … منا الكرام ويسعَد الأرذال
وفطنت يوماً والزمان يميل بي … إن الجميع لميله قد مالوا
وإذا فؤادي والشجون تلفُّني … يشقي.. ويؤرق ليلي البَلبَالُ
وإذا الصحاب وأنت أقربهم إلى … قلبي.. تناءوا فجأةً وتعالوا
أن كنت تَحسَب أن فقري دائم … وغناك باق.. فالخلود محال
فالمال عاريةٌ.. وعزَّك عارض … ومصيره بعد الكمال زوال
ورأيتني.. أدنو إليك فلم تقف … وحدي أسير وقد تغير حال
الوجه غيَّره ولوَّنه الأسى … حيران.. لاجاهٌ ولا أموال
ورمقْتَني وأشحت عني معرضاً … ومررت بي متجاهلاً تختال
وتركتني أرنو إليك محطَّماً … نفسي تئن وفي العيون سؤال
ما أنت أكرم في الحرير..ولا أنا … بأقل منك تلفُّني الأسمال
فإلى مصير واحد ندنو معاً … وتسير مسرعةً بنا الآجال
قصيدة رحلت
رحلتِ.. فلا شيءَ يحلو لديْ … إذا ما مضيتِ.. مضى كلُّ شَيْ
تلاشى الهوى فغدا كالسرابِ … ومات الكلامُ على شفتَيْ
ولم يبقَ إلا الأسى والحنينُ … وآهاتُ قلب شقيٍّ شجي
أيبلى الحنان ويبقى العذابُ … كسيفٍ يدور على كل حي
ذهبتِ فما ثَمَّ غيمٌ وَفِيْ … وليس سوى الدمع في مقلتَي
خبتْ شعلةُ الحبّ قبل الأوانِ … وشاب الزمان على راحتَي
وحبّي وحبّكِ أمسى يباباً … وناحتْ يماماتُ دربي علي
فمَنْ لي يُقصِّرُ ليلي الطويلَ؟ … ومن لي يعيد وجودي إلي؟
ذهبتِِ.. فضاع الهوى من يَدَيْ … وكان كجدول عطر نَقِيْ
فوشوشتُ عنكِ نسيمَ الصباحِ … وفرّقتُ شِعري على كل حَي
فيا من سكنتِ بأهداب عيني … فلستِ تغيبين عن ناظرَي
أراكِ إذا البدرُ حيّا ولاحَ … وناح الحمامُ وراء العَشِي
أراكِ إذا الفجرُ بالنور باحَ … وغنّى الهزارُ بصوت شَجِي
أراكِ مع الليل طيفاً يحاكي … تأوُّدَ غصنٍ رطيب نَدِي
أراكِ بروحي ومثواكِ قلبي … وإنسانُ عيني وفي مُقلتَي
قصيدة ماذا أريد
أتيت إلى الدنيا ألوك على فمي … صراخ وليد بادي البؤس باكيا
كأني أرى في صفحة الغيب شقوتي … مسطرةً والحزن يرسم ذاتيا
أبي كان فذاً في الرجال نهاره … كفاح ويحيى دابر الليل داعيا
يكد ويشقى في الحياة منافحاً … وليس له من سطوة الدهر واقيا
فقيرٌ ولكن بالشموخ موشحٌ … فلا ينحني مهما يعاني المآسيا
ويصبر إن جار الزمان بعزمه … تغالبُ رغم الفقر بؤس اللياليا
يجوعُ فإن جاء الطعام َرأيتَهُ … تناءَى ….وأدنى للصغار الأوانيا
ويحرم في ليل الشدائد نفسه … ويؤثرنا حتى وإن بات طاويا
كريمٌ فلا يأسى لخير يفوتهُ … وإن نال فضلاً كان براً مواسيا
وأقبل يومٌ كالحُ الظل مثقلٌ … رأيت أبي يدنا إلى القبر ساجيا
عرفتُ جلال الموتِ وهو حقيقةٌ … تغافلتُ عنها حقبةً من زمانيا
وأيقنتُ أنا راحلون وأنني … وإن طال بي عمري سأصبحُ فانيا
وكنتُ طري العود مازلت يافعاً … غريراً قليلَ الحول أخشى العواديا
وحيدا ولا مالٌ وحولي صبيةٌ … يتامى تضاغو جائعين ِحيالِيا
فأيقظني من غفلة العمر بؤسهم … وأشعل في ذاتي وئيد حماِسيا
فشمرت تَشميرَ الكريم إذا غدا … إلى الحرب لا يخشى من الموت عاديا
وأقبلت أسعى في الحياة وقدوتي … أبٌ .. صارع الأيام كالليث ضاريا
من قصيدة في كل يوم
في كل يوم دمعة تترقرق … قلب يئن ومهجة تتمزق
نمسي ونصبح والزمان يريبنا … فإلى متى هذا الشقاء المطبق
الحزن يطحننا فأين المهرب … والجرح ينزفنا فأين المشفق
أنت الرحيم وأنت وحدك سيدي … أن عز من يأسو ترق وترفق
من قصيدة في حب الظلام
أعيدي إلى روحي الحماس … أعيدي وفكي قيودي .. قد مللت قيودي
خذي النوم من عيني ورّدي … عزيمتي فقد طال في حضن الظلام رقودي
لعلّك يا عذراء تحبين أنفساً … طواها الآسي في ذلة وشرود
إذا المرء لم يغضب وقد ديس عرضة … فأكرم ما يؤويه جوف لجودي