التوحيد هي تلك الكلمة التي تأتي من الفعل الثلاثي المضعف الوسط وحد معناها أي أتخذ واحداً منفرداً لا شبيه له ، و لا مثيل ، و لا ند مثله أما بالنسبة لتعريف التوحيد في المعنى الاصطلاحي له فهو يعني إفراد الله عز وجل بالعبادة أي صرف العبادة ، و ذلك بكافة أشكالها القلبية ، و البدنية لله عز وجل وحده دون سواه ، و العبادة هي تلك الغاية التي خلق من أجلها الإنس ، و الجن ، حيث جاء قول المولى جل شأنه في محكم أياته الكريمة للتأكيد على ذلك في قوله تعالى (و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ) ، و معنى الأية الكريمة التوحيد لله في العبادة ، و إفراده بالدعاء ، و لذلك فإن توحيد الألوهية قسماً من أقسام التوحيد الإسلامي الثلاثة ، ولقد أعطى القرآن الكريم اهتماماً عالياً ، و كبيراً بتلك القضية لأنها هي أساس الدين الإسلامي كله إذ أن الالتزام بإحكام الدين الإسلامي ينشأ في الأساس من الإيمان بوجود الله عز وجل ، و وحدانيته ، و صفاته إذ أن الدين الإسلامي يقصد بتوحيد الألوهية إفراد الله جل شأنه بالعبودية دون غيره .
أهمية توحيد الألوهية :- و هي تعني إفراد الله جل شأنه بالعبادة من دعاء أو عبادة أي من ناحية الممارسة ، و من ناحية الرجاء ، و ما إلى غير ذلك من أمور يكون لها ذلك الأثر العظيم ، و الكبير في حياة الفرد المسلم ، و التي يلمس أهميتها في عدة مناحي عديدة و منها :-
أولاً :- امتلاء نفس العبد المسلم بالأمن ، و الطمأنينة إذ أنه ، و بناءا على ذلك لم يعد يخاف إلا الله جل شأنه .
ثانياً :- تحقيق عامل الطمأنينة الداخلي لديه ، و ذلك في عدة نواحي مثال رزقه ، و نفعه ، و ضرره إذ يكون اقتناعه الكامل بأن كل تلك الأمور الخاصة به هي بيد الله جل شأنه وحده فلا يخاف أي مخلوقاً كان .
ثالثاً :- زيادة نسبة قوة المسلم النفسية ، و ذلك بسبب ما قد امتلأ به نفسه من الرجاء ، و الثقة بالله عز وجل ، و التوكل عليه ، و الرضا بقضائه ، و الصبر على بلائه .
رابعاً :- تحقق عامل المساواة بين جميع البشر فالألوهية لله جل شأنه وحده ، و جميع البشر بمختلف أجناسهم ، و اختلافاتهم هم في النهاية عبيدا لله جل شأنه فلا فضل لأحد منهم على أخر إلا بالتقوى ، و الصلاح ، و خشية الله جل شأنه .
خامساً :- وجود ذلك الملجأ الذي يكون اتجاه العبد المسلم إليه في وقت الكرب ، و الشدة ، و المحن فيكون دعوته للمولى جل علاه أن يكشف عنه محنته أو كربته ، و يبدله خيراً مما قد فقد في الدنيا ، و الأخرة .
سادساً :- فوز العبد المسلم برضوان الله جل شأنه ، و بجنته .
منهجية القرآن الكريم في عرض أهمية توحيد الألوهية :–
أولاً :- مخاطبة العقل :- كان قد وجه القرآن الكريم أنظار البشر إلى ذلك النظام المحكم ، و العالي الدقة ، و الذي ينظم ذلك الكون الواسع الغير محدود بسمائه و أرضه ، و ما فيهما من كائنات ، و مخلوقات متعددة فكانت دعوة القرآن الكريم للبشر إلى ضرورة التفكر في كل هذا من أجل أن يستدلون بذلك على وجود الخالق جل شأنه ، و قدرته ، حيث أنه من غير المعقول أن يكون ذلك الكون بلا موحد ، و لابد طبقاً للتفكير العقلاني أن يكون وراء هذا الكون المتقن الصنع ، و الأحكام ، و التنظيم إلهاً خبيراً في خلقه حيث جاء قول المولى عز وجل في محكم أياته الكريمة بقوله تعالى ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت و إلى السماء كيف رفعت و إلى الجبال كيف نصبت و إلى الأرض كيف سطحت ) حيث كانت تلك الأيات للتأكيد على أهمية استخدام الإنسان لعقله في التفكير من أجل إدراك وجود الخالق جل شأنه .
ثانياً :- مخاطبة القرآن الكريم للعاطفة :– كان قد خاطب القرآن الكريم الوجدان ، و القلب ، و استثار العاطفة في عرض قضية الألوهية ، و ذلك من أجل أن يرتبط العبد المسلم بربه ذلك الارتباط العميق ، و القوي وجدانياً ، و الذي يقوم على عدة عناصر فلبية هامة و هي :-
الحب :- حيث قد وجه القرآن الكريم إلى حب الله سبحانه ، و تعالى ، و ذلك لما يتصف به جل شأنه من صفات الجمال ، و الكمال ، و الجلال ، و لما يمنحه للبشر من نعم لا حصر لها سواء كانت نعم ظاهرة أو باطنة .
الخوف :- كان قد بين القرآن الكريم أن المولى عز وجل هو الجبار القوي شديد العقاب ، و ركز على ذكر العديد من تلك المشاهد الخاصة بالعذاب ، و العقاب الإلهي للعاصين يوم القيامة ، مما ينتج عنه امتلاء القلب بإحساس الرهبة ، و الخوف ، و الخشية من الله جل شأنه .
الرجاء :– تعد صفة المغفرة ، و الرحمة من أحد صفات المولى عز وجل ، و التي قد بينها القرآن الكريم فالله عز وجل يقبل التوبة من عباده ، و لذا فإنه يجب على العبد أن لا ييأس أبداً من رحمة الله عز وجل مهما كثرت معاصيه ، و ذنوبه بل عليه أن يرجع تائباً ، و نادماً راجياً من الله جل شأنه الغفران والعفو .
التأكيد على صفات الكمال لله جل شأنه :- كان قد أكد القرآن الكريم على صفات الكمال التي يتصف بها المولى جل شأنه مثل صفات الرحمة ، و العلم ، و القدرة ، و القوة ، و الحكمة ، و ما إلى غير ذلك من أسماء للمولى جل في علاه كما كان تأكيد القرآن الكريم على أن الله جل شأنه منزه عن كل عيب أو نقص فهو سبحانه لا يعجزه شيء ، و لا تأخذه سنة ، و لا نوم ، و هو جل علاه منزه عن مشابهة مخلوقاته .
ثالثاً :- عقيدة التوحيد هي أساس لحياة الفرد و الأمة :– كان قد أكد القرآن الكريم على عقيدة التوحيد ، و التي هي ذلك الأساس لحياة الفرد ، و الأمة إذ أن عقيدة التوحيد التي عبرت عنها كلمة التوحيد (لا اله إلا الله ) قد تضمنت نفي الألوهية عن كل شيء سوى الله جل شأنه ، و من أهم المتطلبات لذلك :-
أن يقوم المؤمن بالتحرر من كل أشكال العبودية لغير الله جل شأنه ، و أن يكون خضوعه له وحده .
أن يخلص العبد المؤمن بنيته ، و عمله لله عز وجل فقط .
أن تجعل الأمة الإسلامية شريعة الله جل شأنه هي السائدة ، و المعمول بها في كل مجالاتها كلها سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية ، و ما إلى غير ذلك من شئون متعددة .