{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [سورة ص: 30-33]
تفسير الآيات:
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ}: يقول الله تعالى مخبرًا أنه وهب لداود سليمان أي نبيًا كما قال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل:16] أي في النبوة وإلا فقد كان له بنون غيره فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر، {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}: ثناء على سليمان عليه السلام بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عز وجل وعن مكحول قال: لما وهب الله لداود سليمان عليه السلام قال له: يا بني ما أحسن؟ قال: سكينة الله وإيمان قال: فما أقبح؟ قال: كفر بعد إيمان، قال: فما أحلى؟ قال: روح الله بين عباده، قال: فما أبرد؟ قال: عفو الله عن الناس، وعفو الناس بعضهم عن بعض، قال داود عليه السلام: فأنت نبي.
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}: أي إذ عرض على سليمان في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات، قال مجاهد: وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، والجياد: السراع وكذا قال غير واحد من السلف وعن إبراهيم التيمي قال: كانت عشرين فرسًا ذات أجنحة، وكانت الخيل التي شغلت سليمان عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس، فعقرها وهذا أشبه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت الريح فشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة –لُعب- فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت: بناتي ، ورأي بنهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: «ما هذا الذي أرى وسطهن؟» قالت: فرس، قال: «وما هذا الذي عليه؟» قالت: جناحان، قال: «فرس له جناحان؟!» قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلًا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه صل الله عليه وسلم.
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}: ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدًا بل نسيانًا، كما شغل النبي صل الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب وعن جابر قال: جاء عمر رضي الله عنه يوم الخندق عدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله والله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» فقال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، ويحتمل أنه كان سائغًا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو والقتال والخيل تراد للقتال وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا مشروعًا فنسخ ذلك بصلاة الخوف ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حيث لا يمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر.
{رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}: قال الحسن البصري: قال: لا والله لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك ثم أمر بها فعقرت، وقال السدى: ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف، وعن ابن عباس: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبالها، وعن ابن جرير قال: لأنه لم يكن ليعذب حيوانًا بالعرقبة ويهلك مالا من ماله بلا سبب سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها.