مارست جميع الشعوب البدائية الفن وعثر على العديد من الآثار التي دلت على ممارسة الفن لدي الإنسان في عصر ما قبل التاريخ، فقد عثر على تمثالين لثورين بريين، مصنوعان من الطين اللبن يعود تاريخهما لسنة 13000 -8000 ق.م.

ووجدت نماذج عديدة من بينها  تمثال أفروديت لوسيل الموجود في متحف بوردو بفرنسا، وأخر في النمسا منحوت من الحجر الجيري، ومن أقدم الفنون البدائية ماعثر عليه في مغارة لاسكو بجنوب فرنسا، والتي يعود تاريخه  إلى نحو 35000 عام، وهي تمثل الإنسان الأول في العصر الحجري القديم برسم الثيران والغزلان التي كان يقوم بصيدها، كما عثر على مغارة أقدم منها يعود تاريخها إلى 37000 سنة وهي مغارة آبري كاستانت في جنوب فرنسا أيضا.

العلاقة بين الفن البدائي وفنون ما قبل التاريخ

رغم تشابه التقنية والمواد الرئيسية التي تم استعمالها، يرى مؤرخي الفن، أنه لا يجب الخلط بين الفن البدائي بفن ما قبل التاريخ، لأن شروطاً معينة كانت متوفرة إبان فن ماقبل التاريخ، وأدت إلى تطوره في الزمان والمكان تبعاً للمناطق التي نشأ فيها ومنها حوضا الفرات والنيل، إذ يتصل مدلول الفن البدائي بناحيتين.

الأولي ناحية دينية وارتبطت بشكل ما بالسحر والتطبيب، أما الناحية الأخرى فقد كانت استعمالية تخص المأوى المأكل والملبس .

وتبين بمالا يدع مجالا للشك أن ثقافات شعوب المجتمعات البدائية لم تتطور مع الزمن، وهو ما يعني أن دراسة الرسوم والرموز التي مثلها الفن البدائي وفن ما قبل التاريخ، يستلزمان التقويم من ناحيتي الشكل الجمالي، والمضمون الإنساني.

وترتبط صيغ هذا الفن بمقاربة معرفية للأساطير وطقوس العبادة، كذلك يستوجب فهم آثار الفن البدائي الكشف عن العقلية البدائية التي جعلت ومازالت هذه الشعوب تعيش أسلوب حياة له طبيعة متفردة وخاصة، وهو الأسلوب المعيشي الذي أنتج فنوناً يمكن اعتبارها تحفا فنية مكتملة الشروط الفنية، ويمكن إخضاعها لقوانين الفن الرئيسية بمفهومها المعاصر، فرغم التقنيات البسيطة التي استخدمها الفنان البدائي تبدو صيغة هذه الأعمال البدائية معبرة ببساطة عن الواقع والبيئة التي أُنتجت فيها.

تمثلت بعض أعمال الفن البدائي فن الحفر على الخشب والعظام، النحت، التلوين على الجلود ولحاء الخشب.

وقد رافق الفن الإنسان البدائي منذ العصر الحجري الأوسط، وأن سكان العالم في تلك الفترة الزمنية كانوا يعيشون بطريقة متشابهة.

ويسعى متذوقي الفن والمتخصصون لمشاهدة ودراسة رسومات الكهوف البدائية التي كانت أكثر تطورا من فنون الإنسان في عصر ما قبل التاريخ.

فن ما قبل التاريخ

1 – لا يسعنا القول أن فن ما قبل التاريخ تشكلت دعائمه خلال العصر الحجري القديم، لكن عدم قولنا لا يعني أن هذا الفن تشكل واكتمل  وتطور خلال تلك الحقبة الزمنية وحدها، إذ احتاج لفترات طويلة نسبيا حتى يتبلور وينتج موضوعات وأشكال فنية متنوعة ويسكنها الإبداع.

2- لم تخبرنا اللقي والاكتشافات الأثرية عن هذا التطور إلا خلال نهايات العصر الحجري في أوروبا ومنطقة الهلال الخصيب، حيث شجع الاستقرار على الإبداع وخاصة في الرسم ونحت التماثيل الكبيرة، وفي العمارة أيضا.

3- تطور فن ما قبل التاريخ كان بسبب حاجة الإنسان، ولم يكن من قبيل الترف، فقد مثلت الحاجة إلى العثور على الطعام بعد الجوع هاجسا قويا للبقاء، فرسم داخل كهوفه الثيران والغزلان التي يتمنى صيدها، أو التي يستدعيها في إطار سحري، كما تمثل هاجس البقاء أيضا في رسم الكفوف وطبعها على جدران الكهوف، أو تدوين أجزاء من الحياة بالنقش على صخر أو الرسم على جدران الكهوف، كنوع من التأكد من البقاء والتحقق الحياتي الواقعي.

4- يرى كثير من الباحثين ومؤرخي الفن أمثال الدين والسحر، مثل الفرنسي أندريه ليروي جورهان، عالم الآثار والحفريات و أخصائي علم الإنسان القديم، وعلم الأنثروبولوجيا، الذي كان يرى أن فن ما قبل التاريخ هو تجسيد لديانات ما قبل التاريخ كما إنه تفاعل مادي معها، وهو ما نلاحظة عندما نجد بعض رسوم الكهوف تتضمن تحريفات واضحة بالمقارنة مع اللقى الأثرية عن واقع إنسان ما قبل التاريخ ، وعثر على العديد من التماثيل الصغيرة المسماة بأفروديت في كل من أفريقيا وأوروبا، وكانت ترمز إلى آلهة ومعبودون.

5- ساعد وجود حالة من الامتزاج والخلط ربما لم يكن يدري بها الإنسان في عصر ما قبل التاريخ بين الفني والواقعي، أن زخر الرسم داخل الكهف بأشكال السهام وأدوات الصيد المزينة بالنقوش أو الرموز السحرية، أو الرموز الدينية الأسطورية،أو حتى رسم لأي أشكال اعتباطية مجرد أشكال هندسية اعتباطية.

ارتدى الرجل والمرأة في عصر ما قبل التاريخ على حلي ومجوهرات، وقد شكلت لديه اهتماما كبيرا، وهو ما كان يجعله يجلس ساعات أو نهارات كاملة ليصنع  عقود من العظام أو من العاج أو الخشب، كما كان لبعض تلك الأدوات دلالات دينية أو أسطورية، وهناك دراسات متكاملة حول هذا الموضوع رغم أن المعثورات لا تزال قليلة وتحتاج إلى مزيد من البحث والتنقيب.