محمد بن الحنفية، هو أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف الهاشمي القرشي، ولقبه أبا القاسم، نسب إلى أمه، ولد في العام الحادي عشر للهجرة النبوية الشريفة، بالمدينة المنورة، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أبوه هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأمه هي خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل الحنفية، كان من رواة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإخوته هم الحسن والحسين بن علي رضي الله عنهم، والعباس بن علي، والمحسن بن علي، وعبد الله بن علي بن عبد الله، ومحمد الأوسط بن علي، وأم كلثوم وزينب، رضي الله عليهم أجمعين، وابنه هو عبد الله بن محمد بن الحنفية.
محمد بن الحنفية وهدايا ملك الروم
في خلافة معاوية بن أبي سفيان، رغب ملك الروم أن يرسل إلى معاوية هدايا، على عادة الملوك وقتها، فلما استئذن ملك الروم معاوية في هذا الأمر، قائلًا له: (إن الملوك عندنا تراسل الملوك، ويطرف بعضهم بعضًا بغرائب ما عندهم، وينافس بعضهم بعضًا بِعَجائب ما في ممالكِهم، فهل تأذن لي بأن يكون بيني وبينك بما يكون بينهم؟) فوافق معاوية على ذلك، فما كان من ملك الروم إلا أن قام بإرسال رجلان من عنده كنوع من التباهي برجاله.
فكان الأول طويل القامة بشكل مبالغ فيه، وأما الأخر فكان صلب وشديد القوة، بشكل مبالغ فيه أيضا، قاصد بذلك إحراج المسلمين، ولكن معاوية رضي الله عنه، أراد أن يرد له كيده، فأرسل إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأخبره بأن هذان الرجلان اللذان بعث بهم ملك الروم، فإن عنده من هم أفضل منهم، فإما من جهة الطول فهناك قيس بن سعد بن عبادة ، وأما من جهة القوة والصلابة، فهناك رجلان اثنان وهما محمد بن الحنفية، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
ولكن معاوية لم يكن يعلم هل سيقبل محمد بن الحنفية بأن يقف معهم للرد على ملك الروم أم لا، ولكن عمرو بن العاص كان يثق بأن محمد بن الحنفية لم يكن ليرفض أمر به رفعة الإسلام، وعلو شأنه.
وبالفعل لبى محمد بن الحنفية وقيس بن سعد بن عبادة طلب الخليفة معاوية بن أبي سفيان، والتقيا برجال ملك الروم، فكان محمد بن الحنفية أكثر قوة من الرجل الذي أرسل به ملك الروم، وكان قيس بن سعد أطول من الرجل الرومي حتى أن سروال قيس كان يرتديه الرجل الرومي فيصل إلى صدره من شدة طول قيس بن سعد، وكان النصر والغلبة للمسلمين، وتم الرد على ملك الروم الذي أراد إحراج المسلمين ولكنه لم يفلح في ذلك.
فضائله رضي الله عنه
أخذ رضي الله عنه من والده عدة صفات، أهمها الجرأة والشجاعة والإقدام، وهذا نابع من تربية أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه له، فقد كان يحرص على مشاركته في الحروب والمعارك، حتى نشأ وهو معتاد عليها ولم يكن يهابها، كما كان يتصف بذكائه وفطنته الشديدة، وعرف عنه أيضا قوة الفصاحة والبلاغة رضي الله عنه، كما أشتهر بحكمته البالغة في تسيير الأمور، وكل هذه الصفات قد اكتسبها من حياته المليئة بالمخاطر والصعاب، والتي صنعت منه رجل قوي وصلب قادر على مواجهة أهوال الحياة.
كما عرف رضي الله عنه بزهده في طلب المناصب، ورغم إلحاح الكثيرون عليه بذلك ولكنه كان مصر على البعد عن شئون الأمارة وغيرها، فقد رغب عبد الله بن الزبير بمبايعته ولكنه رفض، كما أن عبد الملك بن مروان قد رغب في هذا أيضا ولكنه أصر على رفضه، والسبب وراء موقفه هذا هو رؤيته ما حدث بين أبيه وبين الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، يوم موقعة صفين، والتي وقعت عام 37 من الهجرة النبوية الشريفة بين جيش علي بن أبي طالب وبين جيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وما حدث بينهما من قتال شديد كاد أن يقضي على الجيشان.
طريقته الرائعة في صلح أخاه الحسن عندما تخاصما
حدث بين محمد بن الحنفية وبين أخاه الحسن بن علي فجوة، فبادر محمد بمصالحة أخيه، عن طريق رسالة قام بإرسالها إليه قائلًا له: إن الله فضلك علي، فأمك فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم، وأمي امرأة من بني حنيفة، وجدك من أمك رسول الله، وصفوته من خلقه، وجدّي لأمي جعفر بن قيس، فإذا جاءك كتابي هذا فَتَعال إلي وصالحني حتى يكون لك الفضْل عليّ في كل شيء؟ فما إن بلغَتْ رسالته الحسن حتى بادر إلى بيته وصالحه
وفاته رضي الله عنه
توفى رضي الله عنه بالمدينة المنورة، عام 81 من الهجرة النبوية الشريفة، وكان يبلغ من العمر خمسة وستون عام، واختلفوا في المكان الذي دفن فيه، فهناك من قال بأنه دفن ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومنهم من قال أنه قد دفن بالبقيع، ومنهم من يقول بأن مكان دفنه هو الطائف.