{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)} [سورة قريش: 1-4] تفسير الآيات الكريمة من مجموعة تفاسير الحافظ بن كثير، مع بيان فضل السورة من خلال الأحاديث التي وردت في ذلك، مع توضيح أن السورة منفصلة عن السورة السابقة لها وهي سورة الفيل وتوضيح الأقوال في ذلك.
فضل سورة قريش
قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم، وأن النبوة فيهم، والجابة، والسقاية فيهم، وأن الله نصرهم على الفيل، وانهم عبدوا الله، عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن» ثم تلاها رسول الله.
تفسير سورة قريش
1. {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}
هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام، كتبوا بينها سطر {بسم الله الرحمن الرحيم} وإن كانت متعلقة بما قبلها، كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم؛ لأن المعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} أي: لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين.
وقيل: المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم؛ لعظمتهم عند الناس، لكونهم سكان حرم الله، فمن عرفهم احترمهم، بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم، هذا حالهم في أسفارهم ورحلاتهم في شتائهم وصيفهم، وأما في خال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [سورة العنكبوت: 67]، ولهذا قال: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ}، بدل من الأول ومفسر له، ولهذا قال: {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}، وقال ابن جرير: الصواب أن اللام هي لام التعجب، كأنه يقول: اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك، قال: وذلك لإجماع المسلمين على انهما سورتان منفصلتان مستقلتان.
2. {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}
وفيه يرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة ومعناه: فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرمًا آمنًا وبيتًا محرمًا، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل:91].
3. {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}
أي هو رب البيت، وهو الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، أي: تفضل عليهم بالأمن والرخص، فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندًا ولا وثنًا، ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)} [سورة النحل: 112-113]،
وعن أسامة بن قال: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. ويحكم يا معشر قريش، اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف».