عبد المطلب جَدُّ النبي صلى الله عليه وسلم من سادات وزعماء قريش، فهو رئيس بني هاشم وبني المطلب، وكان معروفا بالمحافظة على العهود، شريفاً مطاعاً جواداً، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه، وكان له من الأولاد:الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، وقد أسلم منهم حمزة والعباس وعاتكه وصفية. وقبل مولد أولاده نذر ـ عبد المطلب ـ إن رزقه الله عشرة من الولد أن ينحر أحدهم، فلما رزقه الله عشرة من الولد، أقرع بينهم أيهم ينحر، فوقعت القرعة على عبد الله أصغر أبنائه وأحبهم إليه، ثم أقرع بينه وبين مائةٍ من الإبل حتى يفديه، فوقعت القرعة على المائة من الإبل. وهذ الموقف والنذر والفداء من عبد المطلب لابنه عبد الله من الأحداث المشهورة التي سبقت مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك عبد المطلب الإسلام، إذْ توفي وللنبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنوات .
قصة نذر عبد المطلب بن هاشم
نذر عبد المطلب ذبح أحد أبنائه ـ ذكره ابن هشام وغيره في السيرة النبوية، والطبري في تاريخه، وابن أبي شيبة في مصنفه، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: ".. كان عبد المطلب بن هاشم نذر إن توافى له عشرة رهط (أي أعطاه الله عشرة أولاد) أن ينحر أحدهم، فلما توافى له عشرة، أقرع بينهم أيهم ينحر (يذبح)، فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحب الناس إلى عبد المطلب، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين الإبل، فطارت القرعة على المائة من الإبل".
وفي السيرة النبوية لابن كثير: ".. ثم أشارت قريش على عبد المطلب أن يذهب إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع فيسألها عن ذلك، ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتْك بذبحه فاذبحه، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته، فانطلقوا حتى أتوا المدينة فوجدوا العرافة، وهي سجاح - فيما ذكره يونس بن بكير عن ابن إسحاق ـ بخيبر فركبوا حتى أتوها فسألوها، وقصَّ عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه فقالت لهم: ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها، فلما خرجوا قام عبد المطلب يدعو الله، ثم غدوا عليها فقالت لهم: قد جاءني الخبر، كم الدية فيكم؟ قالوا: عشراً من الإبل، وكانت كذلك، قالت: فارجعوا إلى بلادكم، ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشراً من الإبل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم. فخرجوا حتى قدموا مكة فلما أجمعوا على ذلك الأمر قام عبد المطلب يدعو الله، ثم قربوا عبد الله وعشراً من الإبل، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشراً ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا فلم يزالوا يزيدون عشراً عشرا، ويخرج القدح على عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل".
وقال ابن حجر في كتابه "الإصابة": "قال موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير: سمعت حكيم بن حزام يقول: وُلِدْتُ قبل الفيل بثلاث عشرة سنة وأنا أعقل، حين أراد عبد المطلب أن يذبح عبد الله ابنه ".
أنا ابن الذبيحين
روي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا ابن الذبيحين) رواه الحاكم، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة: "لا أصل له بهذا اللفظ"، والغالب على كلام أهل العلم تضعيفهم لهذا الحديث. والذبيحان يقصد بهما: إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذُكِرَت قصة فدائه في القرآن الكريم في قول الله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}(الصافات:107). والذبيح الثاني: عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي فداه أبوه ـ عبد المطلب ـ بمائة من الإبل.
قال ابن باز: "(أنا ابن الذبيحين) هذا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم، وفي صحته نظر، لكنه مشهور، والذبيحان هما إسماعيل وعبد الله، إسماعيل جده ابن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن الله جل وعلا أمر إبراهيم بذبحه، ثم نسخ ذلك والحمد لله، لما سلَّما لأمر الله نسخ الله ذلك وفداه بذبح عظيم، وأما عبد الله، فالمشهور أن عبد المطلب نذر إذا وهبه الله عشرة أبناء أن يتقرب إلى الله بذبح أحدهم، فتمَّ له ما رجا وأعطاه العشرة، فأقرع بينهم أيهم يذبحه، فوقعت القرعة على عبد الله، فلم يذبحه وفداه بمائة من الإبل بدلاً من ذبحه".
إن حادثة وقصة نذر عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بذبح أحد أولاده ثم الرجوع عن ذلك بفدائه بمائةٍ من الإبل، فيها دلالة على حفظ الله تعالى لعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم من الذبح، والذي تزوج ـ بعد أن أصبح رجلاً ـ من آمنة بنت وهب، وحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكرت كتب السيرة النبوية أخباراً تبين مدى عناية عبد المطلب بالنبي صلى الله عليه وسلم منذ مولده وبعد وفاة أمه آمنة، فمن ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد حسن، أن عبد المطلب أرسل محمداً ذات مرة ليتبع إبلاً ضلت، فتأخر عليه حتى حزن حزناً شديدا، وعندما عاد محمد بالإبل أقسم ألا يبعثه في حاجة له أبدا، ولا يفارقه بعد هذا أبدا .
وفي السيرة النبوية لابن هشام: ".. وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالاً له. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر (شديد قوي) حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب ـ إذا رأي ذلك منهم ـ: دعوا ابني، فوالله إن له لشأناً، ثم يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع". وظل عبد المطلب يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويضعه تحت رعايته، حتى أحس بلحظة موته، فرأى أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب، وقد تُوفي عبد المطلب وللنبي صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنوات.