في عام 1926 م صرح الكيميائي الألماني الشهير د.ستوك بأن الحشوة الفضية تشكل خطرا على الصحة كونها لا تبقى خاملة في الفم لترشح الزئبق منها، لكن هذا التصريح لم يأخذ ضجة كما تلك التي حدثت في عام 1990 م عندما ردد مذيع البرنامج الأمريكي الشهير )ستون دقيقة( جملته الشهيرة” هل هناك سُمّ في فمك؟” تلك الجملة أوقدت جذوة جدل تنامى وأمتد حتى يومنا هذا … ، فهل حقا الحشوة الفضية المستخدمة منذ أكثر من 150 عاماً تشكل خطرا ؟ وهل البديل المتمثل في الحشوة التجميلية البيضاء (كومباست) آمنة؟ للأسف ، ونتيجة لعدم التخصص، فهناك أطباء يستغلون وجود الزئبق في الحشوة الفضية لتخويف المرضى، ويزيدون بأن الحل السحري يكمن في استبدال جميع الحشوات الفضية بأخرى بيضاء تجميلية ! ، حتى لو كانت الحشوات الفضية سليمة تماما ! والمؤلم أن كثير من المرضى قاموا بذلك فعلا
فهل صحة المريض، ووقته المهدر عند طبيب الأسنان، إضافة إلى التكاليف المادية الباهظة مبررة علميا ؟ وهل استبدالها ضرورة صحية ؟ والبديل آمن؟ أم هي كما نردد شعبيا ،”يامن شراله من حلاله عله” ولبسط الحديث في هذا المقام ، يجب العلم بأن الحشوة الفضية هي خليط من المعادن منها الزئبق ، بينما الحشوة البيضاء هي بكل بساطة مادة شبيهة بالبلاستيك مضافا إليها بعض المواد لتعزيز خصائصها.
فما الفرق بينهما
• العمر الافتراضي : على أفتراض أن الحشوات تمت بشكل جيد فالدراسات الحديثة أثبتت بأن الحشوة الفضية عمرها الإفتراضي أكثر بثلاثة أضعاف من الحشوة البيضاء ، إذ نجد حشوات فضية صامدة بشكل جيد لأكثر من 30 عام.
• التحمل : بعض أنواع التسوس بسبب كبر الحجم والموقع – الأسنان الخلفية ، مثلا، لوظيفتها عند المضغ والجهد الواقع عليها – تحتاج لحشوة تحتمل هذا الضغط و هذا ما لا نجده في الحشوات البيضاء التجميلية .
• الخطورة : و الأهم، مامدى خطورة الحشوة الفضية مقارنة بالحشوة البيضاء ؟ و حتى نكون على دراية تامه بالموضوع، الدراسات السريرية الحديثة أثبتت التالي:
•جميع الحشوات يرشح منها مواد بكميات ضئيلة، تزداد أثناء وضع أو إزالة الحشوة.
• الخطر المتمثل في الحشوة الفضية يتمثل في بخار الزئبق، وثبت علميا أن استنشاق كميات كبيرة من بخار الزئبق ( عمال مصانع ، المناجم، الخ…) يؤثر على الجهاز العصبي، ويسبب الزهايمر، ويترسب في الأعضاء الحساسة كالمخ و الكلى مؤديا لأمراض مزمنة و لكن الكمية التي ترشح من الحشوة الفضية ضئيلة جدا، فالزئبق عنصر متواجد في الطبيعة بعدة أشكال و نتعرض له من خلال الطعام، والماء، والهواء بكميات متفاوتة و أثبتت الدراسات أن مقدار ما نتعرض له من مصادر أخرى من الأسماك مثلا أكثر بكثير مما يرشح من الحشوات، إضافة إلى أن أغلب الدراسات التي تفترض خطورة الحشوة الفضية اعتمدت على دراسات غير دقيقة. وعندما منع استخدم الحشوة الفضية في السويد، رفع مجموعة من أطباء الأسنان السويديين قضية تزوير في الحقائق ضد الجمعية الأمريكية لطب الأسنان و بعدها أقرت الجمعية أن الحشوة غير خطرة. اللافت للنظر أن الحشوة البيضاء تلقى جدلا في أمريكا و أوروبا لاحتوائها على مكون يدعى- BPA- Bisphenol-A بيسفينول- أ ، أما في البلدان العربية فنجد عليها اقبالا يفوق غيرها مبررين ذلك بكونها لاتحتوي على الزئبق كما الفضية ! مع العلم أن مادة (البيسفينول- أ) الموجودة في الحشوة البيضاء هي نفس المادة السامة التي وجدت في علب المياه البلاستيكية والتي أحدثت جدلاً بشأن سميتها حيث تتسبب في إعاقة نمو دماغ الأطفال، وتغير إتزان الهرمونات، والعقم، والسكر، وهي المادة التي ترشح من الحشوة مع مرور الوقت خاصة أول 24 ساعة.
و المحزن أن بعض الشركات لم تزهلها و البعض الآخر لجأ إلى إضافة مكونات كيميائية أخرى بديلة غير معروف تأثيرها على المدى البعيد. ولكن ذلك ليس بموضع قلق حيث أن مايرشح من الحشوة البيضاء كما الحشوة الفضية يكون بكميات ضئيلة وبالتالي قد لا يؤثر على الصحة.
الأمر الأخر عند وضع حشوة فضية تبعاً لعمرها الافتراضي الطويل، نجد أنها قد تحتاج للتغيير مرة واحدة أو قد لا تحتاج إلى تغيير، بينما العمرالافتراضي للحشوة البيضاء من خمس الى عشر سنوات في أحسن الأحوال، مما يستدعي استبدالها عدة مرات على مدار العمر، وكثرة استبدال الحشوات تزيد من التعرض للمواد التي ترشح مع كل حشوة جديدة وللعلم فالدراسات أثبتت أن استبدال الحشوات تزيل ) 10 ٪ ( تقريبا من السن السليم عندما تسبدل بأخرى حديثة. ولك أن تتخيل مريض يغير مجموعة حشوات فضية بأخرى بيضاء معرضا نفسه لأمرين مؤثرين على صحته، أولها : بخار الزئبق وهو أخطر مافي الزئبق ، بل يكون أعلى نسبيا عند وضع أو إزالة الحشوة ؛ وثانيها : فقدان جزء كبير من السن نسبيا!
آخر بيان لهيئة الغذاء و الدواء الأمريكية بعد الاطلاع على جميع الدراسات المختصة بمدى سلامة الحشوة الفضية، أقّرت بسلامة الحشوة الفضية للاستخدام من عمر 6 سنوات فما فوق . والطريف في الأمر أن هيئة الغذاء و الدواء صنفت الحشوة الفضية بالخطورة المتوسطة وهو نفس التصنيف الذي أعطته للحشوات البيضاء و البورسلين و الذهب ، وذكروا أيضا بأن بخار الزئبق و مادة البيسفينول تكون خطرة عندما تكون بكميات كبيرة،أما أذا كانت بكمية ضئيلة فقد لا يكون لها تأثير على الصحة