جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صل الله عليه وسلم يريد أن يسأله في بعض الأسئلة التي لا يوجد لها إجابات عند من هم من عامة البشر، بل توجد عند من يوجد عنده خبر من السماء، وجاءت إجابات الرسول شافية كافية فهو كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم: 3- 4] حتى أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: «لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله».
قصة اليهودي مع رسول الله :
قال الإمام مسلم رحمه الله أن ثوبان مولى رسول الله صل الله عليه وسلم قال: كنت قائمًا عند رسول الله صل الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله، فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي» فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول الله: «أينفعك شيء إن حدثتك» قال: أسمع بأذني فنكت رسول الله صل الله عليه وسلم بعودٍ معه فقال: «سل» فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: «هم في الظلمة دون الجسر» قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: «فقراء المهاجرين» قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: «زيادة كبد النون» قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: «ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها» قال: فما شرابهم عليه؟ قال: «من عين فيها تسمى سلسبيلا» قال: صدقت، وقال: جئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال: «ينفعك إن حدثتك» قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسئلك عن الولد؟ قال: «ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله» قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله صل الله عليه وعلى آله وسلم: «لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله» [حديث صحيح]
معاني وردت بالحديث:
الجسر: هو الصراط المستقيم. إجازة: أي عبور ومرور.
ما يتحف به الرجل: أي مما يهدى إليه. النون: هو الحوت
أذكرا: جاء المولود ذكرًا آنثا: جاء المولود أنثى.
ما يستفاد من الحديث:
– حرص صحابة رسول الله على تقديم كامل الاحترام والأدب أثناء التعامل مع رسول الله حتى ولو كان السائل من غير المسلمين.
– علم الرسول بأن إجابته على السائل غير مجدية وعلى الرغم من ذلك حرص على إجابته.
– معرفة اليهود والنصارى بنبوءة محمد ورسالته لما جاء في متبهم من أسفار ومواعظ تبشر بقومه إلا أن الكبر ملأهم عن الاعتراف به رسول من عند الله.
– لو لم يعلم السائل أن أسئلته سوف تلقى العناية والإجابة من رسول الله لما حرص على الاسترسال في الحديث بعد مناقشته مع ثوبان.
– أشار اليهودي بسؤاله إلى نقطة علمية هامة وهي تحديد نوع وجنس المولود عن طريق مني الرجل ومني المرأة وهو ما أجاب عنه رسول الله إجابة علمية دقيقة لا تصدر إلا من نبي أو عالم.
– شهادة اليهودي لرسول الله بالصدق والنبوة وعلى الرغم من ذلك تركه ولم يعلن إسلامه.