يعد مسجد قبة الصخرة من المعالم الشهيرة في مدينة القدس، وهو بناء إسلامي جميل، يتميز بقبته الذهبية التي تحتوي على الكثير من الزخارف الفريدة من نوعها، وقد تم البدء في بناؤه في نهاية العام السادس والستين للهجرة والانتهاء منه عام اثنين وسبعين للهجرة .
عبد الملك بن مروان باني قبة الصخرة
قام عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص المعروف بإسم ” أبا الوليد ” ببناء قبة الصخرة، وقد ولد في سنة 26 للهجرة، وقبل الخلافة عرف عنه بأنه كان عابدًا زاهدًا فقيهًا، كما أنه كان ملازمًا للمساجد، وفي أيامه كثرت الصراعات السياسية في الدولة الإسلامية، وقد تمكن من القضاء على خلافة عبد الله بن الزبير، وقام بمحاربة الخوارج ومواجهة الثورات الداخلية المتعددة، وفي عصره حدثت العديد من الفتوحات الإسلامية، وقد كان الحجاج الثقفي من أبرز ولاته .
لم يستطيع العلماء تحديد سبب معين وراء بناء عبد الله بن مروان لقبة الصخرة، فالبعض يقول أن السبب يرجع إلى تعظيم بيت الله المسجد الأقصى، والبعض الآخر يرى أن بناءه كان لهدف سياسي وهو صد الناس عن بيعة عبد الله بن الزبير في مكة، إلا أنه قام بالتعبير عن فكرته تجاه هذا البناء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجِدَ : المسجِدِ الحرامِ والمسجِدِ الأقصى ومسجدي هذا ” .
مراحل بناء وإعادة إعمار قبة الصخرة
مرت قبة الصخرة بمراحل مختلفة عبر التاريخ لتظهر لنا بهذه الصورة التي نراها الآن، ففي البداية تم بناءها ثم إعادة إعمارها ابتداءً من العهد الأموي، وامتدادًا لكافة عهود الخلافة الإسلامية .
مرحلة تأسيس قبة الصخرة
تم في العهد الأموي تشييد قبة الصخرة وبناء المسجد القبلي، حيث في عام 66 للهجرة بدء مهندسو الدولة الاموية في بناء قبة الصخرة، وقاموا بالإبداع في عمارتها، وظلت عملية البناء مستمرة لمدة ست سنوات، وأنتهت خلال العام الثاني والسبعين للهجرة، وقد دارت العديد من القصص المختلفة عن الصخرة المشرفة، فالبعض قال أن لها نور، والبعض الآخر قال أنها معلقة في السماء، وقال آخرين أنها لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلةالإسراء .
وتعد مجمل هذه القصص هي مجرد خرافات ليس لها أساس من الصحة وذلك طبقًا لأقوال الباحثين، حيث قبة الصخرة ليست إلا صخرة طبيعية كانت في السابق قبلة أنبياء بني إسرائيل، كما أنها الصخرة التي عرج منها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء، ويتواجد بها تجويف طبيعي يعرف بإسم مغارة الأرواح، وهي ظاهرة للعيان حتى الوقت الحالي .
مرحلة إعادة إعمار قبة الصخرة
شهدت مدينة القدس الكثير من العوارض الطبيعية خلال تاريخها، لذلك كان من الضروري أن يتم إعادة صيانتها، فقد تعرضت مدينة القدس إلى زلزالين خلال العهد العباسي، لذلك قام الخلفاء بإعادة ترميم ما تضرر من المسجد وقبة الصخرة، كذلك حدث زلزالين آخرين في العهد الفاطمي، وقد تسببا في انهيار القبة، لذلك تم إعادة ترميمها في ذلك الوقت، وخلال فترة الاحتلال الصليبي حاول الصليبيين طمس معالم قبة الصخرة وصبغها بمعالم صليبية، ولكن قام الناصر صلاح الدين الأيوبي بإعادتها إلى هيئتها الإسلامية مرة أخرى بعد تحرير القدس .
خلال العهد المملوكي والعثماني تم تزيين قبة الصخرة بأجمل لوحات الفسيفساء الثمينة، وقد تم تجديدها وإصلاح ما خرب بها طول السنين الماضية، أما خلال العصر الحديث فقد تعرضت قبة الصخرة للكثير من المحاولات التي هدفت إلى تخريب وطمس معالمها الإسلامية من قبل الاحتلال الصهيوني، وتحاول السلطات الأردنية القيام بعمليات ترميم للقبة بشكل مستمر .
اهتمام المسلمين بقبة الصخرة
وصف كتاب ” مثير الغرام بفضائل القدس والشام ” للكاتب محمد بن سرور الشافعي مدى اهتمام المسلمين بقبة الصخرة وتعظيمهم لها، فعندما تم بناءها كانوا يقومون بطحن الزعفران ومزجه بالمسك والعنبر والماورد ويتركون هذا المزيج حتى يتخمر خلال الليل، وفي الغداة كانوا يأمرون الخدام ليدخلوا الحمام ويغتسلون ويتطهرون ويقومون بارتداء الثياب النظيفة ثم يأتون إلى مسجد الصخرة ومعهم المزيج الذي تم تخميره بالأمس .
كان يقوم الخدام بغسل الصخرة ثم يأتون بمجامر الذهب والفضة التي يوجد بها العود والند الممزوج بـ المسك والعنبر ويقومون بإرخاء الستور حول الأعمدة كلها، ثم يسيرون بالبخور حول الصخرة وينادي المنادي في صف البزازين أن الصخرة تم فتحها للجميع فمن أراد الصلاة عليه أن يأتي، وقد كان يقف عشرة حجاب على كل باب من أبواب المسجد، وكل من يدخل المسجد يشم رائحة البخور والمسك والعنبر .