الرياضيات علم من أهم العلوم التي تدخل في بنية كافة العلوم الأخرى مثل الفيزياء والعمارة والكيمياء، وهي أساس من أسس قيام الحضارات، ومجال للتنافس على حل الألغاز المعقدة والمعادلات المختلفة، ومن أهم تلك المعادلات الحدسيات التي عجز العلم عن وضع برهان لها مثل معادلة غريغوري بيرلمان، التي كانت مصنفة من الحدسيات المعقدة إلى أن قام ببرهنتها عالم الرياضيات غريغوري بيرلمان.
معادلة غريغوري بيرلمان
في عام 1904 ميلادية قام العالم الفرنسي الجنسية هنري بوانكاريية بعرض حدسيته في الطوبولوجيا، وذلك في بدايات القرن العشرين، وظلت تلك الحدسية مستعصية البرهان إلى ما يقرب من مائة عام من الزمان، إلى أن جاء عالم الرياضيات غريغوري بيرلمان ليبرهنها ويأتي بإثباتها في عام 2002، وبذلك استحق أن ينال وسام فيلدز.
عُرض على عالم الرياضيات غريغوري بيرلمان وسام فليدز في مجال الرياضيات مع جائزة الألفية الثالثة والتي تقدر قيمتها المادية بمليون دولاراً أمريكياً، ولكن العالم الفاضل رفض كل تلك الهبات والجوائز معللاً تصرفه ذلك بأنه لم يشعر في يوم ما إنه ينتمي لهذا المجتمع البغيض المعتوه الممتلئ بالحمقى المتملقين.
نشأة عالم الرياضيات غريغوري بيرلمان
كان غريغوري بيرلمان يعمل وحيداً بسان بطرسبرغ مسقط رأسه، وكان يعيش مع والدته حياة بسيطة تتسم بالتقشف، ولم يكن أحد قد استطاع أن يتنبأ بمستقبله الباهر بعلم الرياضيات.
ولد العالم الجليل الروسي ب سان بطرسبرغ والتي حملت اسم ليننغراد بالفترة الخاصة بالاتحاد السوفيتي بتاريخ 13 حزيران بعام 1966.
كان والد غريغوري بيرلمان يعمل مهندس كهرباء ووالدته معلمة رياضيات، فكان لوالده أكبر الأثر في تنمية مهاراته الرياضية من خلال تشجيعه لحل الألغاز الرياضية والمواظبة على لعب الشطرنج، ولغريغوري بيرلمان أخت هي الأخرى عاشقة لعلم الرياضيات وباحثة به.
عندما وصل غريغوري بيرلمان لسن 14 عام كان العالم الصغير الأجدر بين زملائه على حل الألغاز الرياضية بنادي الرياضيات بالبلدة وبذلك نال تشجيع وإعجاب رئيس المركز الراعي الرسمي للموهوبين في علم الرياضيات، وبعد ذلك بعامين حصل غريغوري بيرلمان على الميدالية الذهبية من خلال نيله للمركز الأول في أولمبياد الرياضيات التي تعقد على المستوى الدولي بالعاصمة المجرية هنغاريا.
كان غريغوري بيرلمان يتميز بالهدوء بين زملائه لا العدائية، ولم تقتصر اهتماماته على علم الرياضيات بل تخطت ذلك لتصل إلى فنون الأوبرا الإيطالية التي عشق فنها فأنفق كل ما يملك لشراء تسجيلاتها.
في سن السادسة عشر دخل غريغوري بيرلمان الجامعة وتفوق في دراسته ونال إعجاب أساتذته، فأحدهم وصفه بأنه الطالب الذي يأتي دائماً بالإجابة الصحيحة، فهو من يتأمل ويفكر بشكل عميق ويكثر التدقيق قبل أن يجيب لهذا تجد إجاباته غير متسرعة، فالسرعة في علم الرياضيات لا تحمل أي دلالة أو قيمة.
أكمل غريغوري بيرلمان دراسته الجامعية إلى أن نال شهادة الدكتوراه بنهاية الثمانينات في مجال الهندسة الإقليدية، بعد ذلك عمل بمعهد ستكلوف بالتسعينات لينشر في تلك الحقبة مجموعة لا بأس بها من الأبحاث الهندسية القيمة، ليتلقى دعوة بعد ذلك من إحدى جامعات نيويورك للعمل بها كأستاذ زائر في عام 1992 ميلادية، فوافق على تلك الدعوة بسبب الظروف المادية والاقتصادية الأليمة التي واجهها في روسيا عقب انهيار الإتحاد السوفيتي.
وجد غريغوري بيرلمان الأجواء مشجعة للبحث ومريحة إلى حد كبير بالولايات المتحدة الأمريكية، ورغم شكله الغير مألوف لدى الكثير إلى أنه استطاع أن ينال محبة الجميع، فكان غريغوري بيرلمان يتميز بطول شعره الغير مألوف وطول أظافره الذي وصل إلى عدة بوصات.
ركز غريغوري بيرلمان كل جهده في تلك الفترة على إلقاء سلسلة مميزة من المحاضرات الرياضية في معهد الدراسات المتقدمة والذي يحمل اسم ” معهد برنستون” في نيوجرسي برفقة أحد زملائه الذي يحمل الجنسية الصينية والمعروف ب ” جانك تيان”، فتواجده في الولايات المتحدة أتاح له مقابلة عمالقة علم الرياضيات وذوي الحدسيات وأصحاب الفكر المميز والمنطق الذين أثروا بالإيجاب في تطور مهاراته الرياضية وصنعوا منه العالم النابغة الذي استطاع أن يحل لغز حدسية بوانكاريية .