إن تميز المسؤولية التقصيرية عن المسؤوليات القانونية الأخرى مثل المسؤولية الجزائية ، يعود لتوسع مجال تفسيرها ، نتيجة لعدم انضباط أساسها القانوني . وقد سعت عدة أراء ونظريات قانونية وفقهية في تحديد هذا الأساس من خلال خلق نوع من التناسق بين مفهوم المسؤولية التقصيرية وبين الغاية المفترضة من التعويض عن التسبب في الضرر. ومن أهم النظريات الشائعة في تفسير هذه المسؤولية وما ارتبط بها من مفاهيم مبهمة النظرية القائمة على أساس الخطأ.
تعريف المسؤولية التقصيرية
تعرف المسؤولية لغويا ، على أنها التبعة و ما ينتج عنه من تحمل التبعة. واستعمل هذا المصطلح في القانون للتعبير اثر فعل معين وما له من نتائج، ويقابل هذا المفهوم عند فقهاء الإسلام “الضمان”، الذي يقع على عاتق المسئول عن ضرر حاصل للمتضرر وما يترتب عنه من التزام بالتعويض.
وتعرف المسؤولية التقصيرية من ناحية قانونية استنادا على عدة معاني ومفاهيم. حيث يمكن الإشارة إليها عن أنها جزاء مترتب على القيام بفعل معين أو الامتناع عن فعل معين ، والذي يلزم على الشخص المقصر بتحمل نتائج وعواقبه التقصير التي تسبب فيها للمتضرر.
وبشكل عام يمكن تعريف المسؤولية التقصيرية على أنها حالة تنشأ خارج إطار العقد القانوني بين طرفين أو أكثر، يشكل القانون فيه مصدر الالتزام. فعند قيام أحد أطراف العقد بالإقدام على فعل ينتج عنه ضرر للأطراف الأخرى في العقد ، يلتزم المتسبب في الضرر بتعويض المتضرر. وبذلك ، تقوم المسؤولية التقصيرية على مبدأ الالتزام بعدم الإضرار بالغير.
اركان المسؤولية التقصيرية
في الواقع، ترتكز المسؤولية التقصيرية على ثلاث أركان أساسية مكملة لبعضها البعض ولا يمكن فصل أي ركن منها عن الآخر. وتوضح هذه الأركان طبيعة المسؤولية التقصيرية من ناحية قانونية وتفسر جميع الجوانب المرتبطة بها. وتتمثل أركان المسؤولية التقصيرية في :الركن المادي، الركن المعنوي والعلاقة السببية بينهما.
أما عن الركن المادي، فيتمثل في الخطأ التقصيري الذي يعرفه الدكتور جميل الشرقاوي في كتابه النظرية العامة للالتزام على أنه ” الإخلال بواجب قانوني سواء أكان هذا الواجب واجبا خاصا أي التزاما ، أم واجبا عاما من الواجبات التي تفرض على كل شخص يعيش في جماعة يحكمها القانون بأن يحترم حقوق الغير وحرياتهم و ألا يرتكب مساسا بهذه الحقوق والحريات “.
وينقسم الخطأ التقصيري باعتباره إخلال بالتزام قانوني سابق، من حيث أنواعه إلى خطأ عمدي وخطأ غير عمدي. حيث أن الخطأ العمدي يكون فعلا بنية سيئة يقصد منه إلحاق الضرر. وعلى عكس ذلك، لا تتوفر نية الضرر في الخطأ غير العمدي ولكنه يقع بسبب الإهمال أو التقصير. كما ينقسم الخطأ التقصيري من حيث درجاته إلى الخطأ الجسيم ، الخطأ اليسير والخطأ التافه، ويكمن الفرق بينهم في حس النية في الضرر.
ويتمثل الركن المعنوي في الضرر، الذي يعبر عن الأذى الذي يوقع على الشخص المتضرر والذي يلزم التعويض عنه، لارتباطه بحق من الحقوق أو مصلحة تخص حياة المتضرر ، جسده ، شرفه، ماله أو حريته… ولتحقق الضرر يجب توفر عدة شروط وهي: تحقق الضرر على أن يكون مباشرا، مطالبة المتضرر شخصيا بالتعويض عن حقه على أن لا يكون قد تم تعويضه قبل ذلك.
ويمكن تقسيم الضرر إلى، الضرر المالي والذي يصيب المال سواء كان التلف جزئيا أو كليا. والضرر الجسدي الذي يقع على جسد المتضرر دون إلحاق الموت به.
أما فيما يخص العلاقة السببية بينهما، فلا يتم تحقق المسؤولية التقصيرية إلى بوجود رابط بين الخطأ التقصيري والضرر، أي أن يتسبب الخطأ بشكل مباشر في وقوع الضرر. رغم أنه في كثير من الأحيان ولتعدد الظروف واختلاطها ببعضها يصعب تحديد العلاقة السببية مما يؤدي إلى تحولها إلى سبب أجنبي .
ويتحقق السبب الأجنبي في حالة وقوع حادث مفاجئ، قوة قهرية، أن يكون سلوك المتضرر أو نشاطه هو الذي أدى لضرر أو أن يكون هو بنفسه المتسبب بالضرر.
أمثلة عن المسؤولية التقصيرية
ونذكر فيما يلي أمثلة عن المسؤولية التقصيرية، التي تشتمل على جميع الأركان التي تحقق وقوع أذى على المتضرر مرتبط بخطأ:
-تسبب زوج في إجهاض زوجته نتيجة لضربها ضربا أدى إلى الإجهاض الحتمي المرتبط بفعل الضرب.
-تسبب سائق سيارة في صدم احد المارة وإلحاق ضرر جسدي به نتيجة لقيادته بسرعة عالية.
-تسبب صاحب مصنع في حادث أدى إلى إصابة العامل بضرر جسدي نتيجة لإهماله صيانة الآلات الإنتاجية في المصنع.
-اختلاس محاسب لأموال الشركة مما أدى إلى إفلاس الشركة نتيجة للتلاعب في حساباتها المالية.
-تسبب مصنع للأدوية بظهور أعراض جانبية خطيرة أدت إلى إصابة المرضى الذين يستخدمون الدواء إلى تفاقم حالتهم المرضية بسبب عيب في تركيب الدواء.