كان للنوافذ المحطمة تأثير هائل على سياسة الشرطة طوال التسعينيات وبقيت مؤثرة في القرن الحادي والعشرين، ولعل أبرز تطبيق للنظرية كان في مدينة نيويورك تحت إشراف مفوض الشرطة وليام براتون، وكان هو وآخرون مقتنعين بأن ممارسات صيانة النظام العدوانية لإدارة شرطة مدينة نيويورك كانت مسؤولة عن الانخفاض الحاد في معدلات الجريمة داخل المدينة خلال التسعينيات، وبدأ براتون ترجمة النظرية إلى واقع عملي كرئيس لشرطة المرور في مدينة نيويورك من عام 1990 إلى عام 1992.
النافذة المحطمة
تم تعيين فرق من ضباط يرتدون ملابس مدنية للقبض على لاعبي الباب الدوار، ومع تزايد عمليات القبض على الجنح انخفضت جرائم المترو من جميع الأنواع بشكل كبير، وفي عام 1994عندما أصبح مفوض شرطة مدينة نيويورك قدم براتون مبادرته المعطلة “نوعية الحياة” المبنية على النوافذ، وقد اتخذت هذه المبادرة إجراءات صارمة ضد تهديد اليد والسلوك غير المنضبط، والشرب العام والدعارة في الشوارع، وغسل الزجاج الأمامي غير المرغوب فيه أو غيرها من المحاولات المماثلة للحصول على النقد من السائقين توقف في حركة المرور، وعندما استقال براتون في عام 1996 انخفضت الجنايات ما يقرب من 40 في المئة في نيويورك ومعدل القتل قد انخفض إلى النصف .
نظرية النافذة المحطمة
قبل تطوير وتنفيذ نظريات الحماسة المختلفة مثل النوافذ المحطمة كان علماء تطبيق القانون والشرطة يميلون إلى التركيز على الجرائم الخطيرة، بمعنى آخر كان الشاغل الرئيسي هو الجرائم التي كان ينظر إليها على أنها الأخطر والنتيجة بالنسبة للضحية مثل الاغتصاب والسرقة والقتل، واتخذ ويلسون وكيلينج وجهة نظر مختلفة، ولقد رأوا أن الجريمة الخطيرة هي النتيجة النهائية لسلسلة طويلة من الأحداث، ونظرية تلك الجريمة المنبثقة من الاضطراب وأنه إذا تم القضاء على الاضطراب فلن تحدث جرائم خطيرة، وتفترض نظريتهم كذلك أن انتشار الاضطراب يخلق الخوف في أذهان المواطنين الذين يقتنعون بأن المنطقة غير آمنة، وهذا الانسحاب من المجتمع يضعف الضوابط الاجتماعية التي أبقت المجرمين في الاختيار، وبمجرد أن تبدأ هذه العملية فإنها تغذي نفسها، والفوضى تسبب الجريمة والجريمة تسبب مزيدا من الفوضى والجريمة .
ويحدد العلماء بشكل عام نوعين مختلفين من الاضطراب، الأول هو الاضطراب الجسدي الذي تميزه المباني الشاغرة والنوافذ المحطمة والمركبات المهجورة والكثيرات الشاغرة المليئة بالقمامة، والنوع الثاني هو الاضطراب الاجتماعي الذي يتصف به صيادون عدوانيون، وجيران صاخبون ومجموعات من الشباب يتجمعون في زوايا الشوارع، وغالبا ما يكون الخط الفاصل بين الجريمة والاضطراب غير واضح، حيث ينظر بعض الخبراء في أعمال مثل الدعارة وتجارة المخدرات كاضطراب بينما يصنفها كثيرون آخرون على أنها جرائم، وعلى الرغم من اختلافهما يعتقد أن هذين النوعين من الاضطرابات يزيدان من الخوف بين المواطنين .
والميزة الواضحة لهذه النظرية على العديد من سابقاتها الإجرامية هي أنها تمكن المبادرات في مجال سياسة العدالة الجنائية من إحداث التغيير، وبدلا من الاعتماد على السياسة الاجتماعية في وقت سابق قدمت نظريات الفوضى الاجتماعية والنظريات الاقتصادية حلولا كانت مكلفة وستستغرق وقتا طويلا لإثبات فعاليتها، وينظر الكثيرون إلى نظرية النوافذ المحطمة على أنها وسيلة لإحداث التغيير بسرعة وبأقل تكلفة من خلال تغيير استراتيجية الشرطة لمكافحة الجرائم، كما إن الهجوم على الاضطراب أبسط بكثير من مهاجمة الأمراض الاجتماعية المشؤومة مثل الفقر وعدم كفاية التعليم .
النظرية في الممارسة للنافذة المكسورة
على الرغم من أن نظرية النوافذ المحطمة تحظى بشعبية في كل من الدوائر الأكاديمية وتطبيق القانون، إلا أنها لا تخلو من النقاد، وأحد أوجه الانتقاد هو أن هناك القليل من الأدلة التجريبية على أن الفوضى عندما تترك دون منازع وتسبب الجريمة، وللتحقق من صحة النظرية في مجملها يجب إثبات أن الفوضى تسبب الخوف وأن الخوف يسبب انهيارا للضوابط الاجتماعية (يشار إليها أحيانا باسم التماسك المجتمعي)، وهذا الانهيار للضوابط الاجتماعية يؤدي بدوره إلى الجريمة، وأخيرا يجب إثبات أن الجريمة تزيد من مستويات الاضطراب، وجاء أقوى دعم تجريبي لنظرية النوافذ المكسورة من عمل العالم السياسي ويسلي سكوجان الذي وجد أن بعض أنواع الاضطرابات الاجتماعية والبدنية مرتبطة بأنواع معينة من الجرائم الخطيرة .
ومع ذلك أوصى سكوجان بحكمة الحذر في تفسير نتائجه كدليل على صحة نظرية النوافذ المكسورة، وحتى هذا الدعم المؤهل قد تم استجوابه من قبل بعض الباحثين، في إعادة تحليل لبيانات سكوجان وجد المنظر السياسي برنارد هاركورت أن العلاقة بين اضطراب الحي وخطف المال والاعتداء والاغتصاب والسطو قد اختفت عندما كان الفقر واستقرار الحي والعرق خاضعين للسيطرة الإحصائية، وبقي فقط العلاقة بين الفوضى والسرقة وانتقد هاركورت أيضا نظرية النوافذ المحطمة لتشجيعها سياسات “عدم التسامح مطلقا” التي تمس شرائح المجتمع المحرومة .
صحة نظرية النافذة المحطمة
باختصار صحة نظرية النوافذ المحطمة غير معروفة، ومن الآمن أن نستنتج أن النظرية لا تفسر كل شيء وأنه حتى لو كانت النظرية صحيحة فإن نظريات الرفيق ضرورية لتفسير الجريمة بالكامل، وبدلا من ذلك هناك حاجة إلى نموذج أكثر تعقيدا للنظر في العديد من العوامل المقنعة، ومع ذلك فقد أثبتت كل دراسة تقريبا للموضوع الصلة بين الاضطراب والخوف، وهناك أيضا دعم قوي للاعتقاد بأن الخوف يزيد من رغبة الشخص في التخلي عن المجتمعات غير المنظمة والانتقال إلى بيئات أكثر كرما، وهذا الخيار متاح للطبقة الوسطى التي يمكنها أن تتحرك، ولكن ليس للفقراء الذين لديهم خيارات أقل، وإذا خرجت الطبقة الوسطى وظل الفقراء فإن الحي سيصبح حتما محروما اقتصاديا، وهذا يشير إلى أن الموجة التالية من النظريات حول ديناميات الأحياء والجريمة قد تأخذ منحى اقتصادي .