لا شك أن ابن الوردي من كبار الشعراء المفلقين الذين حازوا على السبق في النصف الأول من القرن الثامن عشر الهجري جنبًا مع جنب مع الكبار كابن نباتة المصري وصلاح الدين الصفدي وهو كذلك من كبار علماء الشافعية فقيًا وأصولًا ومن النحويين أيضًا ، فهو شخصية صاحبة عظمة فقد امتاز نتاج هذا الشاعر بتعدد العلوم والفنون التي يمتلكها فهو الشيخ العالم الفقيه النحوي الأديب والمؤرخ وأحد فضلاء عصره في اللغة والأدب وسائر العلوم .
سيرة ابن الوردي
هو اسمه عمر بن المظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس المعري الحلبي زين الدين بن الوردي الفقيه الشافعي ، ويقول ابن إلياس بأن اسمه زين الدين بن الوردي الكندي وقد اشتهر بالفضل وينتمي ابن الوردي بنسبه إلى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو نسب معروف وقد صرح هو بذلك في شعره حين قال :
هذا وبالصديق لي نسبة وصلة تعرف كالنجم
أعددتها للحشر ذخرًا ولا أبغي بها فخرًا على خصمي
ونُسب إلى المعرة بسبب ولادته بها ولكن ظل لنا نسبه ما ورد نسبته إلى كندة القبيلة العربية اليمانية ولكن هذا أمر محير لأن المنتسب إلى الصديق عربي قرشي من تيم بطن من بطون قريش ومن عدنان وليس من قحطان فالأمر هنا خطأ واضح من ابن إلياس حيث أنه في أحد أبياته قال مباهيًا
محمد عبد الله حي وجدنا أبو بكر الصديق عند محمد
فنحن على من يعتدي سم ساعة ومن لم يصدق فليجرب ويعتدي .
حيث لم تذكر الدراسات التي ترجمت لهذا العالم الجليل نسبه إلى المعرة وهذا مستغرب لأن عصره حفل باعتناء أصحاب الطبقات والتراجم ولكنه أورد في كتابه تتمة المختصر في أخبار البشر حيث قال ” في عام 691م وفيها الملك الأشرف نازل على معرة النعمان متوجها إلى قلعة الروم كان مولدي ، واتفق أهل المعره ورفعوا قصص إلى السلطان الأشرف يسألونه إبطال الخمارة بها فأمر بإبطالها “
نشأة ابن الوردي ووفاته
بدأت مسيرة ابن الوردي العلمية بمدينة حلب حيث اجتهد في طلب العلوم منها الفقه وقد فاق أقرانه كما يقول ابن حجر ، ثم انتقل بهد ذلك إلى حماة حتى يأخذ عن القاضي شرف الدين البارزي وعن الفخر خطيب جبرين بحلب ، وعن صدر الدين محمد بن زين الدين عثمان بالقاهرة وغيرهم حتى أصبح رجل الدهر وقاضي العصر وأحد الفقهاه والأدباء والشعراء وقد تفنن في علوم كثيرة وبعد طلبه للعلم عمل في عدد من الوظائف وسلك القضاء وبرع فيه ولكن المصادر التاريخية اقتصرت على ترجمة تلك المدة من حياته بالرغم من عمله قاضيًا في شيزر دهرًا وقد سئم واشتكى لشيخة ابن الباري وقد يبدو من أشعاره أنه آثر طلب العلم وحياة العلماء والعزلة بين الكتب حيث قال
تركت لكم عز القضاء وجاهه وأبعدت عنه خائفًا أترقب
فقوموا على ساقي حديد وشمروا لنيل علاء واهجروا النوم واطلبوا
وميلوا وجولوا واحكموا وتخولوا وصولوا وانبذوا الزهد وانهبوا
ستعلم نفس أي حمل تحملت ليوم أسى من هوله الطفل أشيب
لقد نلت من كنز القناعة بغيتي وجانبت حرصي والحريص معذب
وقد أمضى حياته عالمًا وشاعرًا مفلقًا بعيدًا عن المناصب والمراتب ومجالس العلماء والأكابر كان الناس يجلونه ويحترمونه وظل مقيم في حلب في درب السفاحية ، وقد اتسمت أخلاقه بالرصانة والدين والاتزان وكان شديد التفاؤل يحسن معاملة الغير ، عُرف عنه أنه كان إمامًا بارعًا في النحو والفقه والأدب ، تقول أغلب المصادر أنه توفى في مدينة حلب يوم 27 من ذي الحجة عام 749هـ ودفن في حائط المقام المعروف بمقام إبراهيم في تربة الصالحين بسبب الطاعون العام ، المعروف بالطاعون الأسود .
أشهر أقوال ابن الوردي
-ولست أخاف طاعونًا فغيري ….فما هو غير إحدى الحسنيين
فإن مت استرحت من الأعادي …. وإن عشت اشتفت أذني وعيني
-أدركوا العلم وصونوا أهله …. من جهول حاد عن تبجيله
إيما يعرف قدر العلم من …. سهرت عيناه في تحصيله
-اعتزل ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ … وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَـنْ هَزَلْ
ودَعِ الـذِّكرَ لأيامِ الصِّبا …. فـلأيـامِ الصِّبا نَـجمٌ أفَـلْ.
-إيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ حِكمـاً …. خُصَّتْ بهـا خيرُ المِللْ
أطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فمـا …. أبعـدَ الخيرَ على أهـلِ الكَسَلْ
-اعـتبر (نحن قسمنا بينهم) …. تـلقهُ حقاً (وبالحـق نـزلْ)
ليس ما يحوي الفتى من عزمه …. لا ولا ما فاتَ يومـاً بالكسلْ
-واجبٌ عند الورى إكرامُه…. وقليـلُ المـالِ فيهمْ يُستقلْ
-لا تقصد القاضي إذا أدبرت دنياك وأقصد من جواد كريم
كيف ترجى من عند من يفتي بأن الفلس مال عظيم