علي بن الجهم كنيته أبو الحسن وأصله من خراسان ، المولود في 188 للهجرة في بغداد ،هو علي بن الجهم بن بدر بن مسعود بن أسيد بن أذينة بن كرار بن بكعب ببن مالك بن عتبة بن جابر بن الحارث بن عبد البيت بن الحارث بن سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وه سليل لأسرة عربية متحدرة من قريش وهي سبب اكتسابه فصاحة اللسان وكذلك أحاطت موهبته الشعرية بالرزانة والقوة، وايضا حمتها من تأثير مدينة بغداد التي كانت اغلبها من أعاجم البلاد المحيطة بها.
نشأة علي بن الجهم
حيث انه نشأ يناظر في قضايا علم الكلام ويقرأ كتب الفلسفة و يجادل الزنادقة و يهاجم المعتزلة. و لكن نجد ان حب قول الشعر و الأدب قد غلبا عليه، وأنه كان صديقا حميما لأبي تمام.
و علي بن الجهم قد حظى في مطلع حياته عند أحد من خلفاء بني العباس ، فالمعتصم ولاه في سنة 222 ه (837 م) ديوان المظالم في حلوان، بعد ذلك عظمت منزلة ابن الجهم عند المتوكل إلى أنه في سنة 239 ه(853-854 م) وبعد ان أفسد الحساد بينهما فأبعده المتوكل إلى خراسان، وكذلك كتب إلى و اليها طاهر بن عبد اللّه بن طاهر بأن يقوم بصلبه من الصباح إلى الليل، فصلبه طاهر ثم أعاده إلى السجن.
و بعد ذلك سنة 240 أو 241 ه(855 م) المتوكل رضى عن ابن الجهم فأعاده إلى بغداد، و عاش فيها عيشة فسق ولهو. و لكن بعد عام (247 ه) وهو عام وفاة المتوكل، وذلك بعامين سار ابن الجهم إلى غزو الروم، وجماعة من أعراب بني كلب قد خرجوا عليه و على من معه فجرح هو في أثناء القتال فحمله أصحابه عائدين به إلى بغداد، واذا به قد توفي علي مرحلة من حلب، في خساف، سنة 249 ه(863 م) .
خصائص شعر علي بن الجهم
ـ كان علي بن الجهم شاعر جزل الألفاظ مطبوع صحيح السبك مع سهولة في التركيب و وضوح في المعنى، وكان من الفضلاء في علم الشعر و في صناعته .
ـ وكان يتميز بأنه كان قليل الاحتفال بالصناعة، و قدير على التصرف بالمعاني، فقد كان يترك قصائده في بعض الأحيان غير مصرعه، وكان شعره عذب في التلاوة وفياض العاطفة.
ـ ونجد ان فنون شعره فهي تتنوع بين الفخر والغزل و الهجاء والحكمة، وكان يجيد الهجاء، إذ هو قادر على أن يصيب به حيث شاء مع الإقذاع.
ـ كما كان يتميز بانه كان قليل الرغبة في التكسب بشعره فكان لم يمدح إلا الخلفاء، و كان غزله بارع عذب الألفاظ وكان يجيد فيه تصوير الشوق و يجريه في حوار بينه و بين النساء.
ـ وكان ايضا مجيد للوصف، وخاصة في وصف الطبيعة الحية أو الجامدة من حيوان ونبات و وقصور، و كان له مجون استطاع أن يجريه في اللفظ البريء.
اشعار علي بن الجهم
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ
وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري
أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ
وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ
صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما
روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ
ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَ نَني
بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ
فَإِن حُلنَ أَو أَنكَرنَ عَهداً عَهِدنَهُ
فَغَيرُ بَديعٍ لِلغَواني وَلا نُكرِ
وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما
تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ
كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً
لَوَ اَنَّ الهَوى مِمّا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ
أَما وَمَشيبٍ راعَهُنَّ لَرُبَّما
غَمَزنَ بَناناً بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرِ
وَبِتنا عَلى رَغمِ الوُشاةِ كَأَنَّنا
خَليطانِ مِن ماءِ الغَمامَةِ وَالخَمرِ
خَليلَيَّ ما أَحلى الهَوى وَأَمَرَّهُ
وَأَعلَمَني بِالحُلوِ مِنهُ وَبِالمُرِّ
بِما بَينَنا مِن حُرمَةٍ هَل رَأَيتُما
أَرَقَّ مِنَ الشَكوى وَأَقسى مِنَ الهَجرِ
وَأَفضَحَ مِن عَينِ المُحِبِّ لِسِرِّهِ
وَلا سِيَّما إِن أَطلَقَت عَبرَةً تَجري
وَما أَنسَ مِ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها
لِجارَتِها ما أَولَعَ الحُبَّ بِالحُرِّ
فَقالَت لَها الأُخرى فَما لِصَديقِنا
مُعَنّىً وَهَل في قَتلِهِ لَكِ مِن عُذرِ
عِديهِ لَعَلَّ الوَصلَ يُحييهِ وَاِعلَمي
بِأَنَّ أَسيرَ الحُبِّ في أَعظَمِ الأَمرِ
فَقالَت أَداري الناسَ عَنهُ وَقَلَّما
يَطيبُ الهَوى إِلّا لِمُنهَتِكِ السِترِ
وَأَيقَنَتا أَن قَد سَمِعتُ فَقالَتا
مَنِ الطارِقُ المُصغي إِلَينا وَما نَدري
قال علي بن الجهم لما حبسه المتوكّل
قالت حبست فقلت: ليس بضائر… حبسي؛ و أيّ مهنّد لا يغمد
أ و ما رأيت اللّيث يألف غيلةً… كبرا، و أوباش السباع تردّد
و الشمس لو لا أنها محجوبة… عن ناظريك لما أضاء الفرقد
و البدر يدركه السرار فتنجلي… أيّامه و كأنّه متجدّد
صبرا فإنّ الصبر يعقب راحة… و يد الخليفة لا تطاولها يد
و الحبس ما لم تغشه لدنيّة… شنعاء، نعم المنزل المتورّد