موطني موطني .. الجلال والجمال .. والسناء والبهاء.. في رباك ، هذه القصيدة التي انتشر صداها في الآونة الأخيرة، وتغني بها الكثيرين، أصبحت النشيد الرسمي للعراق بعد الغزو والنشيد الغير رسمي لفلسطين.
هذه القصيدة أتت من شاعر مناضل ومن أرض النضال من فلسطين، على لسان الشاعر المعلم إبراهيم طوقان وهو من سنتحدث عنه وعن شعره في مقالتنا.
حياة إبراهيم طوقان
في عام 1905 أتى إبراهيم طوقان للحياة عن أسرة ميسورة الحال وفي مكانة اجتماعية مرموقة في مدينة نابلس، رافق الداء إبراهيم منذ صغره، بالإضافة إلى جسمه الضعيف وعوده الرقيق، وتلقي طوقان الدراسة الابتدائية في نابلس في مدرسة الراشدية، أما الثانوية كانت في القدس في مدرسة المطران، ثم انتقل إلى بيروت ليدرس في الجامعة الأمريكية، وعمل بها مدرساً وكان يسمى بشاعر الجامعة.
عمل إبراهيم طوقان في إذاعة فلسطين مديراً للبرامج العربية سنة 1936، وظل يعمل فيها لمدة أربع سنوات، ومن بعدها عمل مدرساً في وزارة المعارف في العراق.
كانت الأحداث تتفاقم وتتولي في الفترة التي عاش فيها طوقان فقد كان الاحتلال البريطاني يمهد لإقامة وطن قومي لليهود، فكان الإنجليز يعيثون في الأرض الفساد ويقتلون الأحرار والثوار في كل مكان في فلسطين ويعاقبون بالإعدام من يملك أي قطعة سلاح، وكانت الثورات تتوالى في فلسطين ضد الاحتلال البريطاني وكان المناضلين يستشهدون بأعداد كبيرة.
أنشئت سنة 1936 محطة إذاعة فلسطين والتي كان مركزها القدس وعين فيها إبراهيم طرقان مدير قسم البرامج العربية، رغم أنه كان معروف بثورته ونضاله ضد الانجليز إلا أن حكومة الانتداب اعتقدت أن بإعطائه هذا المنصب سيعمل ذلك على إغراء إبراهيم ليخدم أهداف الحكومة، ولكن قلب الطاولة على رؤوسهم وجعلها منبراً يخدم أهدافه هو وأهداف المقاومة بموهبته الفذة، إلا أنه تعرض للكثير من المضايقات حتى أنه تعرض للاغتيال.
في اليوم الثاني من آب 1939 حيث كان مبنى الإذاعة خالي من الموظفين اليهود وضعت له متفجرات في المبنى، ولكن القدر حال من أن ينفذوا مخططهم ونجا إبراهيم من هذه الحادثة بأعجوبة حيث سقط جزء من السقف على بعد خطوات منه، وخرج من بين الأنقاض يكبر الله أكبر الله أكبر، ولكنهم لم يكفيهم فتكالبوا عليه ليكيدوا له المكائد من رجال حكومة الانتداب و أتباعهم من الوكالة اليهودية حتى أقيل من منصبه سنة 1940.
رحل إبراهيم إلى العراق ليختتم حياته العملية كمعلم لآداب اللغة العربية، ولكن المرض قد أثقل عليه العيار فلم يبق كثيراً في العراق وعاد إلى نابلس ليمضي بقية حياته بين أهله حتى توفاه الله 2 أيار سنة 1941.
عاش إبراهيم ومات وهو معلم وشاعر وطني يعبر بشعره عما يدور حوله من أحداث، وقد كان تلاميذه يحفظون عنه الأناشيد والقصائد التي كان ينظمها، ليلهب حماسهم ومشاعرهم وزيد من حبهم للوطن ومعاده للمحتلين، وقد مات وهي شبابه سنة 1941 ميلادية.
وخلال عمله كمعلم نظم قصيدة يرد فيها على قصيدة أحمد شوقي أمير الشعراء والذي كرم المعلمين فيها وقال:
قم للمعلم وفـــه التبجيل كاد المعلم أن يكون رسولا
ليرد عليه إبراهيم بقوله : شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيل
وختمها بقوله : يا من يريــد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيـش طويلا
وبالفعل مات إبراهيم طوقان وهو في ريعان شبابه، حيث لم يتجاوز عمره ال 36 عام.
بعد وفاة إبراهيم طوقان
كانت تقول فدوى طوقان شقيقة إبراهيم طوقان الصغرى، أنا أحب ساعة أجلس فيها مع أمي هي الساعة التي تحدثنا فيها عن طفولة إبراهيم رحمه الله، وقد كتبت سيرة حياته وكتبت في خاتمتها أن إبراهيم كان له مصحف صغير لا يخلو منه جيبه وحتى عند وفاته كان هذا المصحف تحت وسادته و مازالت محتفظة به حتى الآن، حتى أنه كان به ثنية صغيرة في سورة التوبة مازالت مثنية حتى الآن، فقد كانت أخر ما كان يقرأ قوله تعالى ” الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم” سورة التوبة الآية 21.
أغراض شعر إبراهيم طوقان
قال إبراهيم طوقان شعر في الغزل والهجاء والوصف والوطنيات، وكل خير هو ما كتبه إبراهيم في شعره الوطني، فقد انتقد في شعره العملاء والخونة وسماسرة الأرض وأفعالهم ونفاقهم وخيانتهم للوطن، وكان يحث على الثورة وتحرير الوطن والانتقام من الأعداء.
وقد قال طوقان في هجائه للخونة:
وطــن يباع ويشترى وتصيح: فليحـي الوطن
لو كنت تبغي خيـــــر بذلت من دمــك الثمـن
خصائص شعر إبراهيم طوقان
عبس الخطب فابتسم وطغى الهول فاقتحــم …. رابــط الجأش والنهي ثابــت القلــب والقـــدم
فمن قراءتك لهذه الأبيات لإبراهيم طوقان تستنتج خصائص شعره كما يأتي:
-يتميز شعره بالمشاعر الصادقة والعاطفة الملتهبة.
-لا يوجد أي تكلف في شعر إبراهيم.
-اختيار القوافي المناسبة والألفاظ الرشيقة.
-إبراهيم يتميز بالتجديد في المعاني في شعره، مثل ما قال:
تلتقـــي في مـــزاجهــا بالأعــاصير والحمــم
تجمــع الهائـــج الخضـم إلى الراســخ الأشـــم