سورة الإسراء وهي سورة مكيّة، نزلت في السنة الحادية عشرة من بعثة النبي صلّ الله عليه وسلم، أي أنها نزلت قبل الهجرة بسنة وشهرين، و اشتملت السورة على العديد من خصائص السور المكيّة من ناحية، وأيضًا على خصائص السور المدنية من ناحية أخرى، فهي من أواخر السور التي نزلت في مكة، وكانت بذلك تمهيدًا للعهد المدني، وسُميت سورة الإسراء بهذا الاسم لأن الله افتتح السورة بقصة الإسراء والمعراج، وهي يُطلق عليها أيضًا سورة بني إسرائيل لأن الله سبحانه وتعالى تحدث فيها عن فساد بني إسرائيل في الأرض.
تأملات في سورة الإسراء
عندما نتأمل في سورة الإسراء نجد أن السورة بدأت الوصايا مفتتحة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، ثم اختتمت الوصايا بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 39]، أي أن السورة بدأت وصاياها بالتوحيد، ثم ختمت الوصايا بالنهي عن الشرك، مما يدل على عظمة الله سبحانه وتعالى.
وعند التأمل في هذا الأمر، يجب أن يعلم المسلم أن أول الواجبات التي عليه هي التوحيد، فإنه لا يصح له القيام بعمل إلى بعد توحيد الله والشهادة بأنه واحد لا شريك له، وعليه أن يختتم أعماله التي يقوم بها بالخير، فمن لا يقوم بذلك ولا يختم أعماله بالخير لا ينجو في الآخرة من عذاب الله سبحانه وتعالى، فإذا مات الإنسان على غير التوحيد حتى وإن كان يعمل بها طوال حياته فأنه لا ينجو في الآخرة، وذلك كما جاء في الحديث الشريف ” وإنَّ الرجل ليعمل بعملِ أهل الجنَّة، حتى ما يكونَ بينه وبينها غير ذِراع أو ذراعين، فيَسبق عليه الكتابُ، فيَعمل بعمل أهل النَّار، فيدخلها”، أي أنه إذا لم يختتم حياته بالتوحيد كما بدأها بالتوحيد يُلقى في جهنم.
ما المقصود بـ الإسراء
الإسراء هي من المعجزات التي أيد بها الله سبحانه وتعالى النبي محمد صلّ الله عليه وسلم، ويُقصد بها خروج النبي ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس، والذي يُعد مهبط الوحي والرسالات، حيث جمع الله سبحانه وتعالى الأنبياء فأمّهم، للدلالة على أنه سيدهم وقائدهم، وكان ذلك لأن يرى النبي آية من آيات الله الكبرى.
يُطلق على سورة الإسراء أيضًا مُسمى سورة سُبحان، لأن السورة بدأت بتسبيح الله سبحانه وتعالى، وورد التسبيح بأكثر من موضع بها.
العبر والمقاصد في سورة الإسراء
ذكر الله سبحانه وتعالى الكثير من العبر والمقاصد التي تقوي وتزيد الإيمان في قلب المؤمن والتي من بينها :
ـ توضيح الآيات الكريمة لشخصية النبي صلّ الله عليه وسلم وطريقة تعامله من العارفين بالكتاب، والذين يتهمون النبي بالسحر والكذب، وذلك في قوله ” (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا).
ـ ذكرت الآيات الكافرين الذين اتهموا النبي بأنه ملك من الملائكة وأنه ليس من البشر، وذكرتهم بأنهم استحالوا مسألة البعث بعد الموت.
ـ بدأت السورة بالتسبيح فبعد أن يقول المسلم بسم الله الرحمن الرحيم ليبدأ في قراءة السورة فهي تبدأ بالتسبيح، ثم انتهت بالتكبير، وهذا يدل على أن الله سبحانه وتعالى حقق العبودية الحق لله بين التسبيح والتكبير، حيث أن الله يُسخر الكون كله لخدمته، فقال تعالى “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ”.