غادة أحمد السمان هي كاتبة وأديبة سورية الجنسية، ولدت عام 1942 في دمشق، وهي تربطها علاقة قرابة بالشاعر السوري الشهير نزار قباني، والدها هو الدكتور أحمد السمان دكتور في الاقتصاد السياسي، وكان رئيسا للجامعة السورية، ووزيرا للتعليم في سوريا، ولأن والدها كان محبا للعلم والأدب العالمي والتراث العربي، أثر في شخصية غادة بصورة كبيرة، وسرعان ما ظهرت موهبتها الأدبية الفذة .

أشعار غادة السمان

1- قصيدة أشهد بليل المحطات

كنت أفكر بعلاقة إنسانية حقيقية
نحياها معا
في دهاليز أحزاننا وخيباتنا
و نواجه بها الموت والحزن والمجهول
ونتبادل خلع الأقنعة و الحب
في ليل المحطات الموحشة الماطرة
الملقبة بأيامنا
وكنت أنت تفكر بشيء آخر
وتخطط لاستعراض راقص
نقدمه للآخرين
على مسارح الفضول المتبادل و الثرثرة
وكنت أفكر بك توأما لعذابي
وكنت تجد اننا نصلح معا
لتكوين زوجي فكاهي استعراضي جديد .

2- قصيدة أميرة في قصرك الثلجي

أنصتُ إلى اللحن نفسه
وأتذكرك
يوم كان رأسي
طافياً فوق صدرك
وكانت اللحظة، لحظة خلود صغيرة
وفي لحظات الخلود الصغيرة تلك
لا نعي معنى عبارة ذكرى
كما لا يعي الطفل لحظة ولادته
موته المحتوم ذات يوم
حاولت ان تجعل مني
أميرة في قصرك الثلجي
لكنني فضلت أن أبقى
صعلوكة في براري حريتي
آه أتذكرك
أتذكرك بحنين متقشف
لقد تدحرجت الأيام كالكرة في ملعب الرياح
منذ تلك اللحظة السعيدة الحزينة
لحظة ودعتك
وواعدتك كاذبة على اللقاء
وكنت أعرف انني أهجرك .

3- أشهد أن زمنك سيأتي

أسبح عكس التيار
خارج قطيع الأسماك المذعورة لأعود إليك
وها أنا من جديد هناك
في بيروت المكفنة بفلاشات عدسات التصوير
وروائح إحراق النفايات والجثث
وظلال الحرائق على أعمدة البكاء
كمدينة ضربها الطاعون
طالعة من أساطير اللعنة
وأكمام العصور المنقرضة
حتى النوافذ تنكرت لنا
ولم نعد نرى عبرها
ولكن يرانا المسلحون من الخارج بوضوح
ونحن نلملم أطراف الحذر
ونأوي كالجراذين الى أوكارنا في الدهاليز
حين يرفع القصف عقيرته بالنباح الأسود
اقترفت خطيئة فتح نافذة للتجسس على الشمس
شاهدت الرجل المسلح يختال في الأرض مرحا
على جثث الشوارع الخاوية
ذراعه بندقية
لم تعرف طلقاتها غير قلوب الأبرياء و الأطفال
شاهدت أوراق الأشجار تموت و تتساقط حين مر
والأزهار تذبل فجأة
والألوان تهرب من المرئيات
مثل صورة تلفزيونية ملونة
تستحيل بيضاء و سوداء
والعصافير تطلق صيحات الذعر
وهي تفر من دربه
والسيارات تنقلب على ظهرها
كالصراصير المعدنية الميتة
والمسلح يمشي
تتصاعد أبخرة الكبريت الخانقة من أنفاسه
الحوامض الكاوية تتفجر من موضع قدميه
عند المنعطف التقى بالمسلح ضبع مخيف
فانضم اليه بعدما تعانقا بحرارة
أغلقت النافذة
أحصيت أعضائي
تلمست بطاقة سفري .

4- قصيدة أشهد على جنوني

أفتتح الحب بك والفرح
وأتوجك
في مملكة الذاكرة أميراً
يرفل في حرمانه
رعيته من العشاق والأزهار والعصافير
والقواقع التي تغلي حياة سرية
داخل أصدافها القاسية البكماء
على شطآن حارة لبحار منسية
أفتتح الضوء بك
وأشهد بانهيارات أكواخ وطني
وشظايا زمني
وبليالي الغربة في فنادق القطارات
أشهد بالتشرد
وعزف المتوحدين في المحطات
أشهد بالقتل والدمع الأسود بالكحل
أشهد بالبوم اللطيف وبحبري
وأوراقي وخواتمي و غيتاري
أشهد بالنوم على بركان
وبممحاة النسيان
أشهد بالبجع و الغزال و القارات والعناصر
أشهد بالعاصفة تطاردني
وبالشراسة المائية المعدنية الحجرية تحاصرني
أشهد بدمي ودمك وسلالات الأسرار
ومواقد العشاق في البراري
أشهد بالبحر
والنجوم في ليلة صحراوية صافية
أشهد بالشاي البارد في مطارات الوحشة
أشهد بكل ما أحببته أو كرهته
بكل ما طعنني وطعنته
أشهد أنني أحبك
أشهد بسكين البوصلة وليلة الشمس
أشهد ب ” نعم ” و ” لا ” وبالعودة إلى التفاحة
أشهد بفجر القلب العاري والمرايا المكسورة
بوداعات مكهربة بعناق اللغم بمباهج السم
أشهد بنزوات مطلقة السراح
حتى جنون الصحو .

5- قصيدة أشهد بأعمدة النسيان السبعة

فتحت باب الأمواج
وسبحت صوبك
ومررت بالمحيطات السبعة لأهوالك
المفروشة بجثث عرائس البحر الجميلات
اللواتي أحببنك قبلي
وحين وصلت إلى جزيرتك
وجدتها سرابية و مكهربة
وتحول صوتي إلى فقاعات
وجسدك الى أعشاب بحرية قاتمة
التفت حولي كقيد
فتحت باب التراب
وزحفت إليك في سراديب الحمى
عبر القارات السبع لبراكينك
فملأت حنجرتي المشتعلة حبا
برماد شهيتك
لإذلالي و امتلاكي
و باسم ” الحب ”
حاولت أن تحيط عنقي بشريط هاتف
وتربطني إلى ساق السرير
ككلب صغير
يقطن الانتظار
ويهذ بذيله مرحبا بك باستمرار
وحين فتحت باب الفضاء
وهربت الى كوكب حريتي و صدقي
رميتني بالغرور
واليوم أحمل غروري وردة صفراء
وأغرسها في شعري
ليضيء بها طيراني
إلى أعمدة العبث السبعة
لكنني أعترف بصدق حزين : لقد أحببتك حقا ذات يوم
ولولا عكاز الأبجدية لانكسرت أمامك .