قد تذهل من قدر بعض العلوم التي لعبت الصدفة دورا فى جعلها علمًا ذا قيمة ، فعلى سبيل المثال نجد أن قانون الجاذبية لنيوتن لم يكن ليدرج في التاريخ العلمى ، إذا لم تسقط تفاحة على رأس إسحاق نيوتن أثناء جلوسه أسفل الشجرة .
و قد يكون لك الحظ في تكون بعض رسوماتك فنًا تجريديًا يحظى بمتابعيه الكثيرين مع أنها لم تكن سوى رتوش على الورق !
و غيرها من العلوم التي أثارت العلم و العالم لقرون من الزمن ، فعلم العروض أحد هذه العلوم التي لا يدركها العديد من محبي الشعر التي لعبت الصدفة دورها في جعلها علمًا كاملاً .حيث يزعم الرواة أن الخليل بن أحمد الفراهيدي من قبيلة الأزد اليمنية ، و قد عاش ما بين سنتي 100،170 هـجرية و هو مخترع علم العروض أثناء مروره يومًا بسوق النحاسين و هو يدير بيتًا من الشعر فى رأسه ، فتوافق تتابع حركات البيت مع تتابع طرقات النحاسين على آنيتهم ، و سكناته مع توقف المطارق عن الأنية، فالطرق حركة و التوقف سكون .
و من ثم أدرك أن هذا البيت الشعرى إنما هو موسيقى جاءت من حركات و سكنات منتظمة و كون هذا العلم محض الصدفة إلا إنه وضع على ضوابط ، الهدف منها ضبط القوالب الموسيقية و حصرها و بيان ما يجوز أن يدخل أجزاء هذه القوالب من تحوير ، سواء كان بزيادة أو نقص لا يختل به النغم ،و ما يمتنع دخوله لأنه يخل به ، و يخدش أذن الشاعر ، و لبيان ما يلزم في أواخر أبيات القصيدة ليكون لها نظام واحد فلا تختل موسيقاها ، و لا يفسد ترتيبها فكان وضع علم القافية .
و من ثم يجب لمحبي التذوق الأدبى أن يحيط بعلمي العروض و القافية ليكونوا ذوو طبع مصقول و أذن موسقية :-
فبعض القوالب الموسيقية التي يستخدمها الشاعر أو الأديب و التي يعبرون عنها بالبحور قد يجدوها شديدة التقارب ، مما قد يخرج الشاعر من بحر إلى بحر من غير تنبيه ، و هو خلط يتورط فيه كبار الشعراء و صغارهم على السواء ، و هو الأمر الذي دعى إلى وجود علماء العروض (الوازنون) ليردوا هذا الخلط .
كما تلعب الممارسة الطويلة لعلم العروض دورًا على إظهار المواهب الشعرية ، و تكشف النقاب عن الفطرة الشعرية لدى الصغار، كما أن الكثير من التراث الأدبى لا يفهم إلا إذا كان القارئ ملمًا بإصطلاحات علمي العروض والقافية.
فحين تطالع كتاب لنحو و الصرف ينوه أن شاعرًا قد ارتكب مخالفة من المخالفات ، لأن الوزن أضطره إلى ذلك، و قد عد العلماء الطرق التي يأتي عليها شعر العرب في ستة عشر طريقًا سموا كل طريق منها بحرًا أو قد يتفرع البحر الواحد إلى جداول.
فإذا كنت من هواة الشعر و الأدب ، فعليك بمعرفة علم العروض و القافية وممارستهما ، فداوم على البحث و دع أفكارك و أحاسيسك تسبح لعلها تنسج علوم الصدفة .