لقد ساهم الموقع الاستراتيجي الهام لسلطنة عمان في ازدهار النشاط البحري عبر العصور بل كان بمثابة القوة الدافعة لازدهار الموانئ العمانية ، و لا تزال سلطنة عمان ، و حتى عصرنا الحالي واحدة من أهم الدول الرائدة في النشاط البحري بالعلاوة إلى كون موانيها لا تزال تلعب دوراً هاماً في المحافظة على هذا الإرث من التاريخ البحري العريق .
و يؤكد التاريخ تلك الحقائق فمثال ، و بالتحديد في منطقة رأس الجنز تم العثور على العديد من بقايا القوارب المصنوعة من السعف ، و التي كان يستخدمها العمانيين في التجارة مع الهند قبل ما مدته حوالي 4500 عام ، و تعد هذه القوارب خير شاهداً على أن السلطنة ، و التي كانت يطلق عليها في تلك الفترة الزمنية مسمى “مجان” لها الكثير من الأنشطة التجارية عن طريق البحر مع عدداً من المدن القديمة مثال مدينة أور ، و سومر في العراق ، وولاية كوجرات في الهند .
هذا بالإضافة إلى ما قد شهدته السلطنة من انتعاش كبير الدرجة بسبب تجارة معدن النحاس وقتها ، و التي كانت تجارة رائجة في كل من صحار ، و سمد بالعلاوة إلى جزيرة مصيرة ، و الكثير من المواقع العمانية الأخرى كما كانت هذه التجارة رائجة بسبب توافر البحارة العمانيين المهرة إلى جانب ازدهار صناعة القوارب كما جرى استخدام الموانئ العمانية ، و منذ القدم أيضاً كملجأ أمناً للسفن من تقلبات البحر أو الطقس.
بل ، و جرى استعمالها كنقاطاً للراحة من جانب البحارة ، و مع نهاية الألفية الأخيرة قبل الميلاد شهدت منطقة ظفار انتعاشاً قوياً في تجارة اللبان مع مملكة سبأ ، و الهند بالإضافة إلى مصر الفرعونية ، و روما ، و الصين هذا فضلاً عن رواج تجارة الأواني الفخارية العمانية في شبه أنحاء الجزيرة العربية .
دور النشاط البحري العماني في زيادة نفوذ السلطنة :- كنتيجة لازدياد دور النشاط البحري العماني في خلال القرن الثامن عشر كانت منطقة مسقط تعد من أحد أهم مراكز التجارة في منطقة المحيط الهندي ، و كان هذا في عهد الإمام أحمد بن سعيد ، و خلال حكم إبنه السيد سلطان بن أحمد إذ توسعت بشكل كبير هذه المناطق التي تسيطر عليها عمان لتشتمل على مناطق كجوادر في باكستان بالعلاوة إلى مناطق شهريار ، و هرمز ، و بندر عباس ، و قيشم في إيران ، و البحرين .
أما ابن سعيد بن سلطان فقد تمكن من القيام ببسط النفوذ البحري العماني من منطقة رأس جور دافور في القرن الأفريقي بربمبا في موزمبيق إلى مقديشو ، و ماليندي ، و ممباسا بالإضافة إلى زنجبار بينما كانت السفن العمانية تصل إلى مدناً بعيدة مثال لندن ، و نيويورك إذ يرجع الفضل الأول في هذا الأسطول البحري العماني ، و مهارة العمانيين البحرية .
و مما يؤكد على أههية ، و دور ، و نفوذ سلطنة عمان القوي كنتيجة لازدهار النشاط البحري بها هو ما كتبه أحد البحارة في خلال القرن الثامن عشر قائلاً أن ميناء مسقط هو الميناء الوحيد الذي يمكن أن تبقى به السفن أمنة طوال الوقت ، و نظراً لتلك المكانة ، و الهمية الكبيرة لسلطنة عمان في تلك الفترة التاريخية فقد حاولت العديد من القوى الاستعمارية الأوروبية السيطرة عليها .
و بالفعل قام البرتغاليين باحتلال ميناء مسقط في خلال القرن السادس عشر كما حاولت فرنسا الاستيلاء على الميناء لأنه يوفر الدعم الخلفي المطلوب لاسطولها البحري المتواجد في منطقة موريشيوس بل أيضاً الخليج كما حاولت بريطانيا بدورها ملاحقة الاسطول الفرنسي ، و السيطرة على منطقة مسقط العمانية من أجل توفير الهندي بل ، و تعزيز سيطرتها على المنطقة ، و بالتحديد .
و بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان في عام 1856م بدأ النشاط البحري ، و التجاري للسلطنة في التراجع بل ، و اقتصر فقط في خلال الحقب التاريخية التالية على عمليات استيراد البضائع الأساسية من الهند ، و عن طريق استخدام مجموعة من القوارب الصغيرة مما أدى إلى تراجع دور السلطنة ، و نفوذها في هذه الفترة التاريخية كنتيجة رئيسية لضعف النشاط البحري بها .