يبدأ الفنان بسطح ثنائي الأبعاد، وقد يكون جدارا أو قماشا أو لوحة أو ورقا أو رصيفا، باستخدام الطلاء أو الوسائط الأخرى، ويجب عليه أن يجعل المشاهد يدخل عالمه ويشارك رؤيته، ولكن العالم الفعلي ليس ثنائي الأبعاد ولا يمكن للفنان إنشاء عالم ثلاثي الأبعاد على السطح، وكيف نتغلب على هذه المشكلة الجواب هو الوهم، ولتمثيل العالم ثلاثي الأبعاد على السطح ثنائي الأبعاد، يجب على الفنان استخدام أنظمة الوهم التي تخلق انطباعا بالفضاء والعمق والحركة، ويعد فنانو الرصيف ثلاثي الأبعاد (Joe and Max) من أسياد هذا النوع من الخداع المنظوري، حيث يصنعان فنا من الرصف (والأرضية) يعطي عند النظر إليه من وجهة نظر معينة صورة ثلاثية الأبعاد مذهلة ومربكة بصريا .
الفن قبل المنظور
نظام المنظور الذي نأخذه اليوم هو اكتشاف حديث نسبيا في التاريخ الفني، وقبل القرن الرابع عشر لم تبذل محاولات تذكر من أجل تصوير العالم ثلاثي الأبعاد في الفن بالطريقة التي اعتدنا عليها الآن لرؤيتها، وكان فن العصر البيزنطي والعصور الوسطى والقوطية غنيا وجميلا، ولكن الصور لم تبذل أي محاولة لخلق وهم العمق والفضاء، وبدأ الأستاذان الإيطاليان جيوتو (1267 – 1337) ودوتشيو (1255-1260 – 1318-1319) في استكشاف فكرة العمق والحجم في الفن ويمكنهما الفضل في تقديم شكل مبكر من المنظور، باستخدام التظليل إلى تأثير كبير لخلق وهم من العمق، لكنه كان لا يزال بعيدا عن نوع المنظور الذي اعتدنا على رؤيته في الفن اليوم .
فن المنظور الأول
تم إنشاء أول صورة معروفة للاستفادة من المنظور الخطي من قبل المهندس المعماري “فلورنتين فيليبو برونيليشي” (1377-1446)، ورسمت في عام 1415 وهي تصور المعمودية في فلورنسا من البوابة الأمامية للكاتدرائية غير المكتملة، وقام نظام المنظور الخطي بإسقاط وهم العمق على مستوى ثنائي الأبعاد باستخدام “نقاط التلاشي” التي تتقارب فيها جميع الخطوط على مستوى العين في الأفق، وبعد فترة وجيزة من رسم ” برونيليشي”، بدأ المفهوم وفهم العديد من الفنانين الإيطاليين استخدام المنظور الخطي في لوحاتهم .
مازاتشو (1401 – 1428) وهو أول رسام عظيم في فترة عصر النهضة المبكرة، وكان أول فنان أظهر القيادة الكاملة لقواعد المنظور الجديدة، والأرقام في لوحاته لها حجم والمباني والمناظر الطبيعية تنحسر بشكل واقعي في المسافة، وينظر إلى “Masaccio” الآن على أنه البادئ بالأسلوب الجديد لواقعية فلورنتين .
النهضة في فن المنظور
بحلول أواخر القرن الخامس عشر كان الفنانون في غاية الإدراك، وكانوا قادرين على خلق عالم جميل وواقعي في فنهم، وكان الرسامون العظماء في ذلك الوقت يستخدمون النظام الذي ابتكرته برونيلشي لأول مرة لتأثير رائع، وتكمن هذه التغييرات في الأسلوب الفني واستخدام المنظور في تجدد الرغبة في تصوير جمال الطبيعة، وكشف البديهيات في علم الجمال مع أعمال ليوناردو وميشيلانجيلو ورافائيل وبوتيتشيلي ودوناتيلو وتيتيان، وتمثل أرقاما فنية كانت ليكون تقليدها كثيرا من قبل الفنانين الآخرين، والتطورات لم تقتصر على ايطاليا، ففي هولندا تطورت ثقافة فنية نابضة بالحياة بشكل خاص مع تأثير عمل “Hugo van der Goes” و “Jan van Eyck” بشكل خاص على تطور الرسم في إيطاليا، ولا سيما الأسلوبية من حيث الطبيعة الطبيعية في التمثيل .
فن المنظور المستخدم
على مدى القرون الخمسة التالية تم استخدام نظام منظور برونيلشي لإنشاء وهم العمق على مستوى الصورة وكان يستخدم كأساس للفن العظيم للثقافة الغربية، واستخدم الرسامون الباروك (حوالي 1600-1750)، ولا سيما كارافاجيو وأنيبال كاراتشي وجيانلنزو برنيني وروبنز ورمبراندت وفيلازكيز وفيرمير هذا النظام الذي تم تأسيسه منذ فترة طويلة في الآلاف من الأساليب المتنوعة، كما فعل الرسامين الكلاسيكيون الجدد (1750-1850)، واستمر استخدام المنظور في الفن لتصوير الواقع من خلال أعمال الانطباعيين (مثل رينوار ومونيه وبيسارو)، وكان يستخدم حتى في أعمال ما بعد الانطباعيين (مثل فنسنت فان جوخ وغوغان وسورات)، وكان في وقت قريب من الانطباعيين بعد أن حدث تغيير كبير في الاتجاه .
بول سيزان ووجهة نظر مختلفة
في نهاية القرن التاسع عشر بدأ الرسام الفرنسي بول سيزان (1839 – 1906) في التشكيك في البنية الأساسية لموضوعاته، وفي بعض المراحل أصبحت أعماله مجردة تقريبا، فغالبا ما يتم تطبيق قماش الرسم بطبقات سميكة من الصباغ باستخدام سكين لوح، والأشكال التي تحدث بشكل طبيعي مبسطة على أساسياتها الهندسية، والأهم من ذلك أن سيزان بدأ يتجاهل قوانين المنظور الكلاسيكي، حيث سمح لكل كائن بالاستقلال داخل فضاء الصورة مع ترك العلاقة بين كائن وآخر على الأسبقية على المنظور التقليدي أحادي النقطة .
بابلو بيكاسو (1881-1973)
كان بابلو بيكاسو عبقريا كبيرا لفن القرن العشرين، وكان رساما بارعا، وكان أحد كبار المبدعين وغير مسار تاريخ الفن، ولد في إسبانيا وانتقل إلى باريس في عام 1904 حيث ارتبط مع فنانين رائدين آخرين مثل ماتيس وديران وبراك، وكان عمله المبكر (فترات الأزرق وروز) جميلة، ولكن التقليدية أساسا وتم رسم اللوحة التي ميزت انفصاله عن تقاليد المنظور، “Les Demoiselles d’Avignon” في عام 1907، ولكن أهميتها لم يتم الاعتراف بها لسنوات عديدة، ويتأثر الفن الأفريقي وسيزان وهو علامة فارقة في تاريخ الفن، وفي السنوات التالية واصل بيكاسو وبراك تطوير النمط الزاوي الهيكلي، الذي أطلق عليه النقاد “التكعيبية”، وقد تم استبدال منظور النهضة، ويصور عمل بيكاسو الأكثر شهرة غيرنيكا، الوحشية ويأس الحرب، ويعتبر أحد اللوحات الرئيسية في القرن العشرين .