الأشعار هي حديث من القلب إلى القلب، خص بها الله بعض عباده، وقذف بداخلهم الموهبة والذكاء دون غيرهم، وكلنا نحب الشعر دون استثناء، فمنا من يكتبه، ومنا من يقرأه، وكل منا له نوع يفضله، فهناك من يحب الرثاء، وهناك من يحب الغزل، وهناك من يحب المدح، وآخر يحب الذم وهكذا .
أبو تمام
أبو تمام هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، الذي أطلق عليه أبو تمام، واشتهر بهذا الاسم، هو شاعر من أفضل الشعراء العباسيين، ولد في قرية بسوريا تسمى جاسم عام 803 م، حتى إذا ما شب هاجر إلى مصر وكان يعمل ساقي ماء، ويجالس أهل العلم، حتى تعلم منهم، وحفظ الشعر من صغره، وأخذ يقلد كبار الشعراء، حتى أحبه الشعر وصار طوع يديه .
حياته وهجرته
بعد هجرته إلى مصر أصبح يجالس الأدباء، حتى سمع به المعتصم بالله، وطلب منه الحضور إلى بغداد، وأراد أن يسمعه ويسمع أشعاره، وقدمه إلى الشعراء، وله في المعتصم قصائد كثيرة، وهو السبب في شهرته هذه الشهرة الكبيرة، حيث أنه هو من فتح له أول الطريق .
وكان أبو تمام يتميز بصوته الأجش الخشن، وقامته طويلة، ووجهه أسمر، كان عذب الكلام، يحفظ الكثير من الشعر، ذكي وسريع البديهة، ولذلك أحبه الأمراء والملوك، لفصاحة لسانه ورجاحة عقله، وكانت من أشهر القصائد التي مدح فيها المعتصم بالله قصيدة فتح عمورية والتي بدأها بـ ” السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب ” .
وكان أبو تمام لا يقل عن المتنبي والبحتري، وقارن الكثير من الناس بينهم، وكانوا جميعهم من فحول الشعراء، وتميز أبو تمام بحفظ 10 آلاف أرجوزة عن العرب، وعدد كبير من المقاطع والقصائد، وقد اهتم بتجميع الشعر، فكان يرغب في جمع التراث الجميل، وقد جمع هذا في كتاب سماه الحماسة، ويحتوي الكتاب على عشرة أبواب، الحماسة، المراثي، الأدب، النسيب، الهجاء، الأضياف، المديح والصفات، السير والنعاس، الملح، ومذمة النساء .
مدح الخلفاء
مدح أبو تمام الكثير من الخلفاء ومنهم الخليفة الواثق، قال فيه ” جاءتك من نظم اللسان قلادة سمطان فيها اللؤلؤ المكنون، خذيت حذاء الخضرمية أرهقت وأجابها التخصير والتلسين، إنسية وحشية كثرت بها حركات أهل الأرض وهي سكون، أما المعاني فهي أبكار إذا نصت ولكن القوافي عون ” ثم قال ” يرمي إليك بهمته وهمه أمل له أبدا عليك حرون، ولعل ما يرجوه مما لم يكن بل عاجلا أو آجلا سيكون ” .
ويقال هنا أن من وصل هذه القصيدة إلى الخليفة الواثق هو محمد بن عبد الملك، وبعدما سمعها الخليفة الواثق قال لابن عبد الملك اعطي له 200 دينار، فقال محمد بن عبد الملك، إن أمله كبير وشكره واسع، فقال الخليفة إذا ضاعف المبلغ، ويقال هنا أن الخليفة قام بصرف 100 ألف دينار لأبو تمام على ذلك .
واجتمع أبو تمام مع بعض الشعراء في يوم من الأيام وكانوا بباب آل طاهر، فقال أبو تمام ” أيها العزيز قد مسنا الضر جميعا وأهلنا أشتات، ولنا في الرحال شيخ كبير ولدينا بضاعة مزجاة “، وقال في آل وهب شعرا جميلا مؤثرا فقال ” كل شعب كنتم به آل وهب فهو شعبي وشعب كل أديب، إن قلبي لكم لكالكبد الحري وقلبي لغيركم كالقلوب ” .
وقد أثرت كثرة انتقال أبو تمام فيه، ورأى ما رأى من المناظر الطبيعية الخلابة أثناء تنقله، لذا وصف الربيع بأبيات رائعة وقال ” رقت حواشي الدهر فهي تمرمر وغدى الثرى في حليه يتكسر، أولا ترى الأشياء إن هي غيرت سمجت وحسن الأرض حين تغير، دنيا معاش للورى حتى إذا جلى الربيع فإنما هي منظر ” .
أبو تمام والحب
قال أبو تمام في الحب ” نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول، كم منزل في الأرض يعشقه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل “، وقال في البعد والهجر ” من أين لي صبر على الهجر لو أن قلبي كان من صخر، ويل لجسمي من دواعي الهوى ويل معي يدخل في القبر، لو كنت أرعى النجم تقوى لقد أدرك طرفي ليلة القدر ” .
وفاة أبو تمام
قام أبو تمام بمدح الحسن بن وهب، الذي أعجب كثيرا بشعره، حتى قرر تعيينه على بريد الموصل، واستمر في الموصل حوالي عامين، وقد توفى ودفن بالموصل عام 846 م، وقد رثاه الشعراء في ذلك، وقد كرر الحسن بن وهب بيت شعر مما قاله أحد الشعراء في رثاء أبو تمام وكان يقول ” فجع القريض بخاتم الشعراء وغدير روضتها حبيب الطائي، ماتا معا فتجاوزا في حفرة وكذاك كانا قبل في الأحياء ” .