يعيش الفرد حياته في المستقبل متأثرًا بما حدث له في الماضي مفكرًا فيما سيحدث له في المستقبل، فالإنسان يعلم جيدًا أن من ليس له ماضي لن يكون له حاضر ولم يأتي عليه مستقبل، فالحياة تسلسل يمر في حلقات متسلسلة، يأتي الماضي ليترك آثارًا جيدة يطورها الحاضر ليسلمها إلى المستقبل ويزيد من تطورها، ليصبح الحاضر ماضي ينقل للمستقبل، والحياة في الماضي كانت تتسم بالبساطة والسهولة.
الحياة الاقتصادية في الماضي والحاضر
الحياة الاقتصادية في الماضي اتسمت ببساطتها ونمط اقتصادها القائم على الزراعة التقليدية والاكتفاء الذاتي المعتمد على الانتاج المنزلي، بأدوات بسيطة، وذلك بالطبع عكس نمط الحياة الحالي المُعقد والعصري الذي يعتمد على الاقتصاد المبني على الصناعة والإنتاج الربحي، حيث تعتبر الزراعة عاملًا مساهمًا في الاقتصاد الحالي، بعدما كانت أساس الاقتصاد في الماضي، فيتمثل دورها في إمداد قطاع الصناعة بما يحتاج من مواد، وأصبحت الأدوات في تطور بعد أن توفرت المعدات التقنية والمبيدات الحشرية، ولم يعد الهدف من الزراعة يقتصر على الاكتفاء الذاتي غذائيًا، واتسع ليشمل الانتاج الزراعي التسويقي.
التكنولوجيا قديمًا وحديثًا
تُعد التكنولوجيا من أهم العوامل التي تساعد على إبراز الفروقات بين حياة الناس في الماضي والحاضر، حيث أن الكهرباء التي تستخدم في العديد من الصناعات كانت من أولى عوامل التطور التكنولوجي الذي نقل الناس من استخدام المراوح اليدوية إلى المكيّفات الكهربائية، وكذلك اختلاف وسائل الطهي والتدفئة، وساهمت الاختراعات الجديدة كأجهزة التلفاز وألعاب الفيديو وصناعة الموسيقى والأفلام في تغيير توجهات الأفراد واهتماماتهم التي اقتصرت على بضعة نشاطات كالقراءة ومتابعة ألعاب المصارعة.
حوار الماضي مع الحاضر
دار حوار بين الماضي والحاضر في يوم من الأيام حيث كان الحاضر واقف متأملًا لكل ما حوله وهو سعيد فمر الماضي عليه وألقى السلام ودار الحوار التالي :
الماضي : السلام عليكم.
الحاضر : صامت لا يرد السلام ولم يلقي له بال.
غضب الماضي منه وسأله : لماذا لا ترد ؟
الحاضر : نظر إلى الماضي نظرة استغراب ولم يرد أيضا.
الماضي : مرة أخرى لماذا لا ترد السلام؟.
الحاضر ابتسم وقال للماضي : عفوًا من أنت أيها الشيخ الكبير.
الماضي : ألم تعرف من أنا، ألم تسمع بمن قضى عمر وهو جالس على بوابة الزمن يُدون كل ما يراه ويسمعه.
الحاضر : أعتذر ولكني لا زلت لا أعرفك.
الماضي يقاطع الحاضر وهو متباهي بنفسه قائلا : أنا التاريخ أنا الماضي، مُدونا في سجل الزمن، أنا الذي أعبر عما حدث، بدوني لن يعرف الأحفاد عراقة الأجداد.
الحاضر ولم يعجب بكلام الماضي : كفاك تفاخرًا، إنك ماضي إندثر ولم يبقى له أثر.
الماضي : لا تقل هذا فأنا موجود حتى يومك هذا يتم تدريسي في كتب المدرسة منذ البداية وحتى النهاية، ولا أنتهى أبدًا.
الحاضر : ما فائدة الماضي، فكل ما فيه كان كابوس وشقاء، حيث كان الناس يعانون من الفقر والجهل وعدم الاستقرار والخوف، أما أنا الحاضر فأنا العلم وأنا التطور والتكنولوجيا، كل شيء في زمني سهل وبسيط ومريح، فمعي في الحاضر بلمسة زر أتمكن من أن أجوب بك العالم، وباتصال واحد مني أحجز لك في الطائرة إلى أي مكان في العالم، وفي عدة ساعات يمكنني أن أصبح في آخر الدنيا.
الماضي : نعم أحسنت اعترف لك بهذا، ولكنك نسيت شيء هام، مهما نسيت التكافل وحب من حولك في زمنك هذا قد ضاع، والود بين الناس اختفى، أصبح الجميع أغراب يسكنون حي واحدًا ولا يعرف بعضهم البعضهم، ولكن في عصري الماضي إذا غاب شخص واحد عن أداء الصلاة فرضًا واحدًا وجد الجميع يسألون عنه، وإذا أراد شخص ما أن يسافر إلى الحج يأتي الجميع ليودعه ويدعو له.
الحاضر : وأنا اعترف لك بذلك أيضًا، ولكن يظل الحاضر أجمل بكثير من الماضي بالتطور والازدهار في المأكل والملبس والتعامل.
الماضي : لست معك حيث أنه في الماضي كانت هناك صفات جميلة بدأت تختفي في الحاضر ومنها الشجاعة والكرم والعطاء وحب الخير.
الحاضر : أحسنت أيها الماضي معك حق بدونك لن نكون ولن يكون المستقبل، فنحن في يوم من الأيام سنتحول إلى ماضي وسوف نظل نفتخر ونردد كما تردد أنت الآن، أنا التاريخ وبدوننا لن يعرف الأحفاد عراقة الأجداد.
علينا أن نعلم جميعًا أنه مهما حاولنا أن نقارن بين الحياة في الماضي والحاضر لن نستطيع الإحاطة بجميع الجوانب، لكن في النهاية لابد أن ندرك أن لكل وقت إيجابياته وسلبياته، وأن التطور الذي شهدته الحياة عبر الزمن ساهم في تطور البشرية إلا أنه قلص الخصوصية التي كان يتمتع بها الأفراد وقلل حجم الفراغ والوقت وزاد الحياة تعقيدًا، ولكن لا يمكن لأحد أن ينكر حقيقة إفادة التطور لكافة البشرية أكثر من سلبياته التي ظهرت، فالحياة القديمة كانت ممتلئة بالصعوبات، ولكنها كانت أقل ازدحام.