هناك تعابير وأقوال نقوم باستعمالها في حياتنا اليومية، وخصوصاً في حالات نفاذ الصبر حيال موقف معين، أو الانزعاج من تصرف شخص ما، وإلحاحه المستمر على طلب يريده، وما إلى ذلك. من هذه التعابير نذكر: ( بلغ السيل الزبى) أو ( لقد طفح الكيل) أو ( لم يبقى في قوس الصبر منزع)، وهذه الجمل جميعها ذات معنى واحد، وهو أنّه لم يعد لدينا القدرة على التحمل، أو تفاقمت الأمور إلى حدّ كبير لا يمكن السكوت عنه. ومعنى الزبى هي جمع الزبية، والتي تعني حفرة تُحفر للأسد عند الرغبة في صيده، فإذا جاء المطر فوقها، وكان سيلاً قوياً، فإنّ ذلك يؤدي إلى تجاوز الحد، وبالتالي فقدان الحفرة.

مواقف في الحياة
في كثير من الأحيان، وفي ظل ظروف الضغط والتوتر الذي نعاني منه داخل العمل، وعندما يكون هناك شخص هو زميل عمل يقوم بإزعاجنا، ويطلب طلبات كثيرة، وقبل إنهاء أول طلب، يبدأ بالاعتراض والتعديل، ونلبي له طلبه، ثمّ يعاود الطلب عشرات المرات، ثمّ نصل إلى مرحلة نقول له فيها: لقد طفح الكيل، أو نقول لقد بلغ السيل الزبى، أو لم يبقى في قوس الصبر منزع.

وهناك موقف آخر يتكرر حدوثه أيضاً في بيئة العمل، مثلاً يمكن أن يكون الموظف يتعامل بشكل مباشر مع العميل، وفجأة في يوم جاء له عميل غاضب، أو عميل يشتكي من المنتج أو الخدمة التي تمّ تقديمها إليه، وبدأ هذا الموظف بمساعدته وامتصاص غضبه، ومحاولة إرضائه بشتى الأساليب، وفعلاً لنفرض أنّ الموظف نجح في ذلك، بعدها يأتي له عميل ثاني وثالث ورابع، بنفس الحالة، سيصل في النهاية إلى حالة من الغضب، ويقول أنّه تعب ولا يستطيع متابعة العمل، وأنّ السيل قد بلغ الزبى.

وأيضاً موقف ثالث، من الممكن حدوثه خلال حياتنا اليومية، وهو أن يكون لدى أسرة عدد أربعة من الأولاد، وأحد هؤلاء الأولاد من النوع كثير الحركة، وذو طلبات كثيرة، فيأتي رب الأسرة إلى المنزل وهو منهك من شدة التعب، بعد أن قضى يوماً كاملاً في عمله. فيبدأ أحد الأولاد بمجموعة من الطلبات، على سبيل المثال يريد مالاً يشتري به شيئاً من الخارج، يريد اللعب، ويريد مشاهدة التلفاز، وما إلى ذلك من سلسلة الطلبات، يصل الأب إلى مرحلة يقول فيها لابنه، أن يصمت ويكف عن إزعاجه، ويمكن أن يقول له بصرامة أنّه قد بلغ السيل الزبى.

القصة وراء المقولة الشهيرة ( بلغ السيل الزبى)
الأمثال العربية والمقولات الشهيرة، غالباً ما تكون ذات دلالة ومعنى في حياتنا، ويمكن استخلاص المعاني والحكم من خلال الرواية التي جاءت فيها، لذا سيتم سرد قصة المقولة الشهيرة (بلغ السيل الزبى)، لنفهم سبب استخدام هذا المصطلح في حياتنا. حيث يُقال أنّه كان هناك رجل يعمل في صيد الأسود، ويأتي كل يوم إلى الغابة ليصطادها، من خلال عمل مصيدة تكون عبارة عن زبية أو حفرة، يضع فيها الطعم الذي يخدع فيه الأسد، ثمّ يقوم بتغطيتها بالأغصان وأوراق الشجر، ليجذب الأسد لها، وفعلاً كان ينجح في هذه المهمة في الغالب.

ولكن في يوم من الأيام، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد جاء الصياد إلى الغابة وقام بوضع الحفر أو الزبى منذ الصباح الباكر، وتغطيتها جيداً بأغصان الأشجار والأوراق، وبعد إنهائه العمل، بدأت السماء تمطر مطراً غزيراً، وبدأت السيول تدخل في الحفر، وقامت بطمر تلك الزبى الموجودة، وبالتالي أفسدت عليه الصيد، حينها غضب الصياد غضباً شديداً، وصرخ بصوت عالٍ قائلاً: بلغ السيل الزبى، أنا لا أصدق ما الذي حدث، أيُعقل بعد كل هذا التعب أن يذهب كلّ شيء هباءً منثوراً ؟

الحكمة وراء المقولة الشهيرة (بلغ السيل الزبى)
لكلّ شيء في حياة الإنسان حدّ معين، حتى المطر يبقى مفيداً إلى حد معين، وعندما يزداد يتحول إلى سيل، ويجرف كل ما حوله، فيتسبب في خراب المنازل، وإغراق المواشي. لذا نلاحظ في قصتنا السابقة، أنّ المطر قد ازداد وتحول إلى سيل، وبدأ يرتفع حتى بلغ القمم، وبالتالي استطاع الوصول إلى الحفر وهدمها. وكما هو معروف أنّ كل أمر يزداد حتى يتجاوز حدّه، مثل الحرب التي حينما تزيد تؤدي إلى خسائر كبيرة، والمرض عندما يشتدّ لا يستطيع الأطباء حلّه، وكما هو الحال أيضاً بالنسبة للمشاكل المالية، والتي قد تصل إلى حدّ لا يطاق من كثرة الديون المتراكمة.