من منا لا يستخدم السؤال المعتاد ” قمحة ولا شعيرة؟” هذا السؤال الذي يحمل بداخله الكثير من الآمال بأن يكون الجواب ” قمحة” وهو الجواب الذي يعني الفرح والسعادة والنجاح، على عكس أن تكون الإجابة ” شعيرة” وهذا الجواب يعني خيبة الأمل وانتكاسة تصيب السائل، فكثيرا ما نتعرض في حياتنا للمواقف اليومية التي تستدعي هذا السؤال، والذي يرتبط عند الناس بأن القمح هو رمز الخصب والعطاء والنماء وهو عند البشر المرتبة الأولى، أما الشعير فهو في العادة مرتبط بغذاء الحيوان، لذلك يفضل الإنسان القمح على الشعير، فيحتفون بالقمح ويذمون الشعير على الرغم من الحاجة إلى كلا من القمح والشعير، فما أصل مقولة ” قمحة ولا شعيرة” ؟ هذا ما سوف نورده في هذا المقال.
مقولة ” قمحة ولا شعيرة”
في الأغلب نستخدم جميعنا مقولة ” قمحة ولا شعيرة” في مناسبات مختلفة منها الخطبة والتقدم إلى الوظيفة، أو قضاء الحوائج، فنسأل السؤال الأشهر “ها، بشِّر، قمحة ولا شعيرة؟” ومن المنتظر أن يكون الجواب ” قمحة” ليعم السرور والسعادة باعتبار أن القمحة انجاز، والشعير فشل، ولكن في الحقيقة نحن كبشر نحتاج إلى كلا من القمح والشعير باعتبار أن لكل منها فوائد، فالشعير مثلا يخفض من الكولسترول ويعالج أمراض القلب وأيضا يعالج مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ويعالج الاكتئاب، ويحتوي على مضادات الأكسدة مما يجعله مقاوما للسرطان، وهو مهدأ للقولون، وبذلك تفوق فوائد الشعير فوائد القمح، ومع ذلك نحن نستخدم المقولة في ذم الشعير ومدح القمح، فمقولة ” قمحة ولا شعيرة” تأتي للحديث عن وجود شئ ما أو الاستفسار عن أمر ما، هذا باعتبار أن القمح أفضل من الشعير، وبذلك فإن الإجابة بالقمح تكون مقرونة بالخبر السعيد كونه يحتاج إليه الإنسان في المرتبة الأولى، أما إن كانت الإجابة شعير فهذا يعني الخبر الغير مرغوب سماعة باعتباره مرتبة ثانية فهو مهم فقط للحيوانات والإبل.
أصل مقولة ” قمحة ولا شعيرة”
يعود أصل المقولة الشعبية المتداولة ” قمحة ولا شعيرة” إلى عهد الفراعنة وهو على عكس المتوقع، حيث كانت تستخدم هذه المقولة عند تحديد نوع الجنين للسيدة الحامل في عهد الفراعنة، حيث أثبت الفراعنة بذلك أنهم أول من استطاعوا معرفة جنس الجنين وهو في بطن أمه، وذلك باعتمادهم على الطرق المتواضعة في تحديد جنس المولود عن طريق القمح والشعير، فكانت السيدة الحامل تعرف جنس جنينها من خلال القمح والشعير عن طريق أخذ شئ من بول الحامل ووضعه في إنائين بحيث تضع في إناء القمح وفي الآخر شعير، فإن نبت القمح أولا فإن المولود أنثى، وإن نبت الشعير أولا فإن المولود ذكر، والمدهش في الأمر أن هذه الطريقة استخدم بالفعل في دراسات مختلفة وثبتت مدى فاعليتها في تحديد جنس الجنين واتضحت بالفعل أنها طريقة ناجحة بنسبة كبيرة جدا، ولكن الفراعنة كانوا يرغبون غالبا في سماع إجابة ” شعيرة” عند طرح السؤال عليهم ” قمحة ولا شعيرة” وهو على عكس ما هو رائج الآن من تفضيل أن تكون الإجابة ” قمحة”.
أمثال مشابهة ” مثل خبز الشعير … مأكول مذموم”
وهناك الكثير من الأمثال التي تأخذ نفس سياق مقولة ” قمحة ولا شعيرة” حيث يقال مثلا ” فلان مثل الشعير مأكول مذموم” وهو مثل شعبي يضرب لمن نفعه واضح ويحتاجه الناس لأنه يخدمهم ومع ذلك فلا يمدحونه ولا يثنون عليه بل يغفلون عنه وفي بعض الأحيان يذموه، حيث يرى أغلب الناس أن الشعير لا قيمة له لأنه رخيص الثمن لذلك لا يهتمون به ويذموه ويعتبروه وجبة خشنه، مع أنه يسد حاجة غنيهم وفقيرهم في الرخاء والشدة، لذلك ضرب به المثل للشخص الذي نفعه كثير والناس لا تعطيه حقه.
والذم في هذا المثل لا تعني عيب الطعام أو إهانة النعمة إنما تعني تفضيل غيره عليه، كما يقول الشاعر ” فهد الصبيحي” رحمه الله ” اذكر ابوٍ لك وطفل ٍ لك صغير ..[ما يذوق القمح ما كوله شعير]…وأنت عند الخبز حقك به كثير …دالهٍ عنهم وهـــــــــم ما يدلهون” فالشاعر هنا ذكر الشعير باعتباره طعام المحتاج بخلاف القمح، وهو ما يتوافق مع معنى مضمون المثل الشعبي ” مثل خبز الشعير .. مأكول مذموم”