تعد صفة نكران الجميل من إحدى الصفات المذمومة ، و التي إذا ما وجدت بأي شخصاً كانت دليلاً دامغاً على خسة نفسه ، و مرض قلبه علاوة على نقصان إيمانه بل أن هذه الصفة تتنافى مع الطبيعة الإنسانية السليمة ، و التي تحب بطبيعتها من أحسن إليها بل ، و تتوقف إيذاء من أساء إليها .
و لهذا السبب فإننا نجد صعوبة كبيرة في إيجاد شخصاً ناكراً للجميل ، وسوياً في نفسه أو مستقيماً في شخصيته ، و سلوكه تجاه الآخرين ، و لذلك فإن المعروف عند ناكر الجميل ضائعاً ، و الشكر لديه مهجور ، و في الغالب ما يتناسى ، و يحقر من كل جميل أو معروف يقدم إليه.
حتى لا يشعر صاحب هذا المعروف بأنه ذو فضل أو كرم أو نبل ، و نكران الجميل ما هو إلا تدمير لقيم المجتمع ، و ثوابته ، و كثيرة هي النماذج التي نراها أو نسمع عنها في مجتمعنا اليوم التي تتصف بهذه الصفة السيئة مثال عقوق الوالدين عن طريق نكران فضلهما ، و جميلهما .
أمثلة على نكران الجميل
إذ يبلغ هذا النكران للجميل لدى بعضاً من الأبناء الجاحدين أن يرسلوا والديهم إلى داراً للمسنين أو يرسلونهم لدى أشخاصاً آخرين أبعد قرابة أو صلة ، و ذلك بالطبع يكون بعد أن تمكن منهم الهرم ، و المرض مع نسيان كل ما قدموا من تضحيات.
سواء من وقتهم أو جهدهم من أجل تربيتهم فكم من أم توفى عن زوجها ، و هي لا تزال في سناً مبكرة إلا أنها صبرت ، و احتسبت بل ، و كافحت ، و سهرت الليالي من أجل رعاية أولادها ليكونوا أشخاصاً صالحين ، و نافعين.
و ما إن يسر الله عز وجل لهم طريقهم إلى النجاح ، و الغنى ينسون كل تلك التضحيات العظيمة ، و لا يحفظون المعروف أو الفضل بل ، و الأدهى من ذلك أنهم في بعض الأحيان يهملون أمهم ، و لا يصلونها ، و يفضلون زوجاتهم عليها .
و هناك أيضاً عقوق المبتعث ، و الذي قد وثق به مليكه ، و مجتمعه ، و أنفقت عليه دولته المبالغ المالية الطائلة من أجل تعليمه ، و تطويره ، و الارتقاء بمستواه بينما يقابل هو هذا المعروف باللجوء لارتكاب الجرائم بحق وطنه ، و مجتمعه على إخوانه ، و أهله ، و بني بلدته .
و مثالاً أخر على نكران الجميل موظفاً كان مديره سبباً في الارتفاع بمستواه الوظيفي أو المهني ، و ما لبث أن تنكر له ، و لفضله أو لصديق مخلصاً وقف إلى جواره سواء بفكره أو بماله أو مشورته أو لزوجة مخلصة ضحت بالكثير من أجل سعادة ، و ثراء زوجها ، و نجاحه ، و استقراره أو العكس .
ثم نرى مقابل كل هذا المعروف الجحود ، و النكران بل أن هناك بعضاً من الناس يدعون المولى جل شأنه ، و يتضرعون إليه ليل نهار ليعطيهم المال أو الولد فإذا أعطاهم الله تعالى من فضله نسوا كرمه ، و فضله ، و بدلاً من أن يشكرون نعمته ، و يوجهون ما أعطاهم الله في مرضاته نراهم يستعملون تلك النعم فيما يغضب الله عز وجل .
و قد عرف العلماء ناكر الجميل بأنه هو ذلك الشخص الذي لا يعترف بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف أو الصنع الجميل الذي قدم له ، و قد جاء بعضاً من أقوال الفضلاء لتؤكد على هذا في أقوالهم (الكريم شكور أو مشكور) بينما (اللئيم كفور أو مكفور) .
فالنفس البشرية السليمة ، و السوية تحب ، و تقدر بفطرتها كل من يقدم لها الإحسان ، و الخير بل أن الإحسان يقلب مشاعرها العدوانية إلى موالاة ، و حب كما جاء في قوله تعالى (أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدواه كأنه ولي حميم) صدق الله العظيم، و في تلك الأية القرآنية الكريمة تأكيداً صريحاً على أهمية تقديم الإحسان ، و دوره في تغيير المشاعر العدوانية إلى مشاعر الدفء ، و الحب .
أهم الآثار ، و العواقب السلبية لنكران الجميل
يوجد عدداً من الآثار أو العواقب السلبية المترتبة على نكران الجميل ، و منها :-
1- تقطيع الأواصر ، و الصلات بين الناس ، و بالتالي توجد الكراهية ، و الضغائن .
2- يتسبب نكران الجميل في زوال النعمة بعد الحصول عيلها .
3- جلب الشقاء ، و سوء الحال .
4- تخلي الناس عن ناكر الجميل ، و خصوصاً في حالة احتياجه إلى المعونة .
نكران الجميل في علم النفس
عادةً ما تتفاوت درجة السلوك السلبي من شخصاً إلى أخر ، و يوجد عدداً من الصفات السلبية في السلوك مثال التشاؤم (العزلة ، و التكاسل) إضافةً إلى نكران الجميل ، و يعرف السلوك السلبي بأنه من أحد الأنماط السلوكية التي تصدر عن بعضاً من الأشخاص بشكل غير مباشر ، فتكشف بناءا على ذلك عن خبايا نفوسهم ، و مشاعرهم بشكل واضح ، و صفة نكران الجميل من إحدى أهم تلك الصفات السلبية المدمرة لصاحبها بل ، و الدلالة على معاناته الداخلية ، و عدم سلامة شخصيته من الناحية النفسية .
و لذلك فإن الأطباء النفسيين ينصحون من يجد في نفسه ميلاً إلى نكران المعروف أو الجميل بأن يلجأ إلى الاستشارة النفسية لدى أحد الأطباء النفسيين على الفور ، و ذلك يكون من أجل مساعدة في تشخيص جوهر مشكلته ، و بالتالي تقديم الخيارات العلاجية المتاحة من أجل تغيير سلوكه ، و خروجه من هذا السلوك السلبي ، و الذي ينتج عنه في الغالب خسارته لعلاقاته الاجتماعية .