تمثل المملكة العربية السعودية كيانا حضاريا و تاريخيا في غاية الأهمية من حيث الناحية الدينية و الإقتصادية ، و تبعا لمفهوم السياحة الحديث الذي تتبناه المملكة فهو يهتم بالمنافع المتعددة للسياحة في الجانب الإقتصادي و الثقافي و التراثي و الإجتماعي و البيئي ، و على صعيد آخر فإن المملكة تتميز بتاريخ عريق ممتلئ بالأحداث الهامة و هذا تم تسجيله و إكتشافه من خلال الأعمال التنقيبية الأثرية الحديثة ، و لذا تم وضع القطع الأثرية التاريخية بالمتاحف السعودية و التي تعبر عن كافة العصور و المراحل التي مرت بها المملكة ، حيث أنه يوجد ما يزيد عن ستة آلاف و ثلاثمائة موقع تراثي و ثقافي بالمملكة . 

أشكال السياحة بالمملكة العربية السعودية…

تنقسم السياحة بالمملكة إلى عدة إتجاهات مختلفة جاذبة للسياح سواء كانوا عرب أو أجانب ، و سنتناولها فيما يلي :-

– السياحة الدينية :

تعتبر السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية من أهم مصادر الدخل و أحد أكبر الدعائم للإقتصاد ، حيث يزورها ملايين المسلمين كل عام نظراً لوجود المسجد الحرام في مكة المكرمة ، و المسجد النبوي في المدينة المنورة ، بالإضافة إلى المشاعر المقدسة الموجودة في مكة ، و يقصدها الزائرون لأداء فريضة الحج و مناسك العمرة ، و من جهة أخرى تعتبر مقومات السياحة الدينية في السعودية متوافرة بشكل لافت و هي معدة لكي تكون من ركائز الإقتصاد ، حيث تشير الإحصاءات إلى أن قطاع السياحة الدينية في السعودية تمكن من توليد 7 مليارات دولار من العوائد السنوية خلال عام 2009 م ، فيما تشير توقعات رسمية إلى أن القطاع السياحي السعودي يساهم في الناتج المحلي بنحو 2.7 في المائة ، و بالتالي يخلق أكثر من مليون وظيفة في ظل تمويل حكومي قدره 2.4 مليار ريال ، كما أنه هناك العديد من المواقع الإسلامية الأخرى ، فهناك عدد من المساجد و أبرزها مسجد قباء و الذي يعرف بأنه موقع أول مسجد في الإسلام ، و مسجد القبلتين الذي إكتسب إسمه من حادثة تغيير إتجاه القبلة ،حيث يحرص عدد من الحجاج و المعتمرين على زيارة عدد من المواقع السياحية الدينية الهامة ، من أبرزها غار حراء الواقع في جبل النور، و غار ثور الواقع في جبل ثور ، و جبل عرفة الواقع خارج حدود الحرم ، ، كما أن هناك مواقع شهدت أحداثا تاريخية مهمة و فاصلة في بداية التاريخ الإسلامي ، و منها سقيفة بني ساعدة ، و مواقع معارك بدر و أحد و الأحزاب . 

– السياحة البيئية بالمملكة :

نظرا لما تمتلكه المملكة من مساحة شاسعة ، و شواطئ ممتدة على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي ، و سلاسل جبال شاهقة و تنوع في نظمها البيئية ، فإن السياحة البيئية تشكل عنصرا مهما من عناصر الجذب السياحي الداخلي فيها ، إلا أنه و على الرغم من ذلك فإنه لا يزال وضع السياحة في الوطن العربي ، و في دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا ، محدودا نسبيا ، حيث لا يتعدى حجمها 3% من الناتج الإجمالي، و لقد إستثمرت السعودية حوالي 25 مليار ريال في هذا المجال في الفترة ما بين عامي 1995 م ، 2002 م ، و قد نمت السياحة و إرتفع إستقطابها للسياح المحليين ليصل إلى 27% من أصل أربعة ملايين سائح سعودي يتوجهون إلى الخارج سنويا ، و ينفقون ما يصل إلى نحو 64 مليار ريال ، و يصرف السياح السعوديين ما يتراوح بين 6 و 10 بلايين ريال على السياحة البيئية و فق التقديرات العالمية لحصة السياحة البيئية من كافة المجالات السياحة ، تعتبر خطة التنمية الخامسة (1410 – 1415 هـ / 1990 – 1995م) البداية الفعلية للإهتمام بالسياحة في المملكة ، حيث شهدت المرافق السياحية توسعا كبيرا سواء على المرتفعات الجبلية أو السواحل البحرية . 

– لذا تم تأسيس الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية و إنمائها في 1986 م ، و وضعت خطة إستراتيجية لإنشاء المناطق المحمية في المملكة ، و إشتملت الخطة على إقتراح 108 مناطق محمية تمثل مختلف البيئات و التنوع الحيوي في المملكة ، منها 56 منطقة برية ، و 62 بحرية موزعة على 38 منطقة في البحر الأحمر و 24  منطقة في الخليج العربي ، و قدرت بحوالي 8% من مساحة المملكة ، و لقد إعتمدت الهيئة 16 منطقة محمية برية و بحرية تزيد مساحتها الإجمالية عن 80 ألف كيلومتر مربع ، و تقدر بنحو 4% من مساحة المملكة ، و قد عملت الهيئة على حماية تلك المناطق و إعادة توطين بعض الأحياء الفطرية إليها ، خاصة المنقرضة من البرية أو المهددة بالإنقراض ، و أعيد توطين المها العربية في محميتي محازة الصيد و عروق بني معارض ، كما توجد بها غزلان الريم ، بالإضافة إلى وجود غزلان الأدمي في محميتي الوعول و عروق بني معارض ، و طيور النعام و طيور الحبارى في محميتي محازة الصيد و سجا و أم الرمث ، بالإضافة لتنمية الأنواع النباتية و الحيوانية الأخرى المتواجدة  بالمحمية ، حيث تحتوي على نحو 2250 نوعا من النباتات الزهرية ، و نحو 500 نوع من الطيور البرية و البحرية ، و مئات الأنواع من الثدييات و السحالي و البرمائيات و الأسماك و الحشرات . 

– السياحة العلاجية بالمملكة :

لا تزال السياحة العلاجية في السعودية ضعيفة ، بالرغم من وجود عدد من المستشفيات المتخصصة و بعض المواقع الطبيعية الإستشفائية المتمثلة بالعيون الحارة و نحوها المنتشرة في المملكة ، حيث تضم المملكة مستشفيات متخصصة في مجال الأورام إلى جانب زراعة النخاع العظمي و كذلك الجراحات التجميلية ببرامجها الدقيقة ، و بعض تلك المراكز و المستشفيات الطبية مجهزة من الناحية التقنية والفندقية و التأهيل الطبي ، حيث تعد الرياض و جدة و الخبر من المدن التي يمكن أن تكون الوجهة المناسبة لمن يقصدها بغرض العلاج ، بإعتبارها الأكثر تأهيلا و جاهزية بالنسبة لمدن المملكة الأخرى ، أما بالنسبة للمواقع الطبيعية الإستشفائية فتتمثل بوجود العيون الحارة المنتشرة في مواقع مختلفة من المملكة ، و العيون الحارة عبارة عن مياه تنبع من عيون مرتبطة بأنواع مختلفة من الصخور التي تختلف باختلاف تراكيبها الجيولوجية ، فبعضها مرتبط بصخور الأساس النارية أو المتحولة وهناك أخرى مرتبطة بصخور الغطاء الرسوبي ، وبذلك فإن نوعية مياه الينابيع الحارة تختلف بإختلاف التركيب المعدني و الكيميائي للصخور ، و التي يمكن لبعضها علاج بعض الأمراض الجلدية و ألم المفاصل المعروف بالروماتيزم ، و من أبرز تلك العيون  العين الحارة في محافظة الدائر بني مالك و العين الحارة في محافظة الحرث (الخوبة) التابعتان لمنطقة جازان ، و العيون الحارة في محافظة الليث التابعة لمنطقة مكة المكرمة ،و العين الحارة في محافظة الأحساء التابعة للمنطقة الشرقية ، و مؤخرا نفذت الهيئة العامة للسياحة و التراث الوطني مشروعا يعد الأول من نوعه في المملكة و الذي يتمثل في السياحة الإستشافية عن طريق العيون الحارة بمحافظة الحرث ، و يأتي ذلك ضمن خطة لتطوير العيون الحارة بمنطقة جازان ، و كانت جامعة جازان ممثلة في كلية طب المناطق الحارة و المديرية العامة للشؤون الصحية من الجهات التي تم التعاون معها في تنفيذ المشروع ، و تستقطب هذه العيون زوارا معظمهم من داخل المملكة و من دول مجلس التعاون الخليجي . 

– سياحة التسوق بالمملكة :

تعتبر سياحة التسوق من أهم المجالات السياحية في المملكة ، و تشير الإحصائيات إلى أن سياحة التسوق تستحوذ على ما نسبته 75% من الإنفاق الإجمالي على الأنشطة الترفيهية في المملكة ، عادة ما تكون سياحة التسوق بغرض التسوق و شراء منتجات بلد ما تسري عليها تخفيضات من أجل الجذب السياحي ، هناك العديد من الخيارات في مجال التسوق حيث توجد الأسواق الشعبية و البقالات التقليدية و المتاجر الكبرى و مراكز التسوق التجارية الحديثة ، و تتوافر فيها العديد من المنتجات و الماركات التجارية العالمية ، في الأسواق الشعبية تتوفر العديد من الأشياء كمنتجات الحرف اليدوية و الأثاث و السجاد و العطور و البخور و الذهب و المجوهرات بالإضافة إلى التحف و المشغولات الفنية و الملابس وغيرها ، و عادة ما تكون الأسواق الشعبية في جميع المدن و كذلك القرى الكبرى ، كما أن معظم المدن الرئيسية تتميز بوجود مراكز تجارية حديثة و بعضها تكون معالم معروفة لتلك المدن ، كما أنه تقام العديد من المهرجانات التسوقية بالعديد من مناطق المملكة و التي يعد أهما مهرجان الرياض للتسوق و الترفيه ، حيث يتميز هذا المهرجان الذي يقام في مدينة الرياض من صيف كل عام بأنه يجمع بين السياحية الثقافية و الترفيهية و التسويقية ، و يمثل حدثا وطنيا يسعى إلى الرقي بالسياحة الداخلية من خلال فعاليات المهرجان المتنوعة ، كما يحتوي على المنتجات الشعبية من كافة مناطق المملكة ، حيث يعمل على جذب الزوار من مختلف تلك المناطق بالإضافة إلى زوار من خارج المملكة ، و قد بلغت مصروفات السياح المحليين على التسوق في الرياض وحدها في سنة 2011 م نحو 665 مليون ريال ، متقدمة على حجم المصروفات على مرافق الإيواء السياحي الذي بدوره بلغ 497 مليون ريال . 

– سياحة الأعمال :

إهتمت الهيئة العامة للسياحة و التراث الوطني بسياحة الأعمال في المملكة ، و قد عملت الهيئة على التعاون مع وزارة التجارة و الصناعة و مجالس الغرف التجارية ، و المناطق و غيرها لتطوير ما يتطلبه هذا النوع من السياحة لتكون أكثر تنافسية ، حيث أن هذه السياحة تكون عادة بغرض حضور المعارض و المؤتمرات و الإجتماعات أو الإشتراك بها ، تشهد المملكة نموا ملحوظا و متصاعدا في مجال سياحة الأعمال ، و ذلك بسبب النهضة الإقتصادية و العمرانية بها ، و ما تحتويه من خدمات و بنية تحتية المناسبة ، و تمثل سياحة الأعمال رافدا مهما في السوق السياحي بالدولة ، حيث يبلغ إنفاق سياح الأعمال نحو 21% من إجمالي السياحة في المملكة ، هناك أكثر من 100 ألف فعالية أعمال تقام سنويا ، يحضرها أكثر من 3.9 مليون سائح بمعدلات إنفاق تتجاوز 4.2 مليار ريال ، كما توجد أكثر من 600 صالة معارض و مؤتمرات و إجتماعات ، و من الجدير بالذكر أنه في سنة 2013 م حققت سياحة الأعمال 14 مليار ريال ، و يتوقع أن يصل في سنة 2024 إلى 30 مليارا .