أبو العباس القلقشندي، هو شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الفزاري، وذلك نسبة إلى قبيلة فزارة الغطفانية والتي ينتمي بجذوره إليها، وهو يُعد واحد من أهم وأشهر المؤلفين في عصره، ويعتبر كتاب الأعشى في صناعة الإنشا أبرز أعماله، وهو ولد في العام 756 هجريًا، الموافق 1355 ميلاديًا، وذلك في قرية قلقشندة بمحافظة الغربية ونشأ بها، وأحب العلم من صغره، حيث بدأ بالإطلاع على العلوم في كتاتيب قريته، واتجه بعد أن كبر للرحيل إلى القاهرة.
دراسة أبو العباس القلقشندي
درس القلقشندي في القاهرة فترة من الزمن عند أبرز شيوخها، وبعدها رحل إلى الإسكندرية، وتعامل مع الكثير العلماء بها، وأخذ من علمهم الكثير حتى استطاع أن يتم علومه، واهتم بالأدب والبلاغة، وبرع بهما، وذاع اسمه في كافة أنحاء مصر، وهذا دفع السلطان برقوق لتكليفه بديوان الإنشاء في العام 791 للهجرة، وظل في هذا المنصب حتى عام 801 للهجرة.
بعد أن أنهى القلقشندي عمله في ديوان الإنشاء تفرغ للتأليف ونشر العلم، وعقد حلقة للعلم في القاهرة، وأصبحت محط أنظار العديد من الطلاب، الذين جاءوا إليه من كافة أنحاء العالم للاستفادة بعلمه وخبراته الكبيرة، وفي عام 805 للهجرة خطرت في باله فكرة من أجل وضع موسوعة ضخمة وبدأ بتنفيذ مهمته بشكل فوري، ووضع كتاب الأعشى في صناعة الإنشا واستمر في كتابته حتى العام 814 للهجرة.
كتاب الأعشى في صناعة الإنشا
يعد كتاب الأعشى في صناعة الإنشا موسوعة ضخمة قام أبو العباس القلقشندي بترتيبها على شكل مقدمة وعشر مقالات، وهم كالتالي :
رتب القلقشندي مؤلفه الضخم على مقدمة و عشر مقالات وهم :
المقدمة، وتناول فيها المسائل التمهيدية كفضل الكتابة، وصفات الكتب وآدابهم، وتاريخ الإنشاء وتطور الفن عبر العصور، وفضل النثر على النظم، بالإضافة إلى التعريف بديوان الإنشاء وقوانينه.
المقالة الأولى، تناول فيها القلقشندي دراسات الكاتب اللغوية والأدبية، وذلك من أجل أن يستطيع إتقانا عمله في ديوان الإنشاء من وضع الكتب والرسائل وما شابه ذلك، بالإضافة إلى معلومات مهمة عن أنواع الأوراق والأحبار والخط العربي.
المقالة الثانية، وهي عبارة عن فصل جغرافي عن المسالك والممالك وطريقة تنظيمها منذ ظهور الإسلام في ديار الإسلام، مع تفصيل خاص لشؤون الديار المصرية وما يتبعها.
المقالة الثالثة، وفيها تم عمل تفصيل كامل لترتيب المكاتبات وأنواع الرسائل وأنواع المراسيم، وأقلام الترجمة.
المقالة الرابعة، وهي من أهم مقالات الكتاب، حيث فيها فهرسة مطولة للملوك والسلاطين والأمراء والعلماء والمتصوفة والقضاء وأمراء الجيوش، وفيه ذكر لألقابهم وشروحها واستعراض للعديد من رسائل ديوان الإنشاء المملوكي.
المقالة الخامسة، وهي تتناول مسألة الولايات وتنظيمها وطبقاتها من الخلافة والسلطنة والإمارة مع أنواع البيعات.
المقالة السادسة، يتحدث فيها القلقشندي عن الوصايا الدينية والمسامحات، بالإضافة إلى تصاريح الخدمة السلطانية والمقابلات.
المقالة السابعة، وفيها يتحدث عن الإقطاعات وأنواعها وأصلها ونشأتها.
المقالة الثامنة، ويتحدث فيها عن الإيمان وأنواعه منذ الجاهلية، والدولة الإسلامية.
المقالة التاسعة، وفيها يتحدث عن عهود الأمان وعقدها لأهل الكفر، وكل ما يتعلق منها بأهل الذمة والهدن وأنواعها.
المقالة العاشرة، وفيها يعرض نماذج من الرسائل الملوكية في المديح والفخر والصيد وغيرها من أمور الملوك، كما يتحدث عن تاريخ البريد في مصر والشام، وعن الحمام الزاجل واستخداماته وأبراجه ومطاراته.
كتاب نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب
يشتمل كتابة نهاية الأرب في معرفة قبائل العرب على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، ويعد من أهم المؤلفات التي قدمها القلقشندي، حيث يستعرض فيه فضل علم الأنساب وأهمية الاهتمام بدراسته، والطبقات المختلفة حول هذا العلم، ويعرض فيه أيضًا دراسة نسب القبائل العربية ويذكر نسب قبلية النبي صلّ الله عليه وسلم، كما يختتم الكتاب بذكر أحوال العرب الدينية والسياسية والاقتصادية قبل وبعد الإسلام.
مؤلفات أخرى للقلقشندي :
ـ مآثر الإناقة في معرفة الخلافة.
ـ قلائد الجمان في معرفة عرب الزمان.
وفاة القلقشندي
ابتعد القلقشندي في أيامه الأخيرة عن السلطة وعاش في عزلة كبيرة، حتى وفاته في العام 821 للهجرة، الموافق 1418 ميلاديًا في القاهرة، وكان ذلك عن عمر 63 عام، بعد أن ترك موسوعة خلدت اسمه كواحد من أعظم علماء عصره.
لم تقدم كتب التراجم الكثير عن القلقشندي سوى دراسته على يد أكابر شيوخ العصر وتخصصه في الأدب والفقه الشافعي، وبراعته في علوم اللغة والبلاغة والإنشاء، بعد أن لفتت براعته أنظار رجال البلاط وتم بدء عمله في ديوان الإنشاء، وهذا الديوان لا يعمل به إلا العارف بشؤون الحكم والسياسة الداخلية والخارجية وسير العلاقات بين مصر وباقي الأمم، وكان عمله يتعلق بما يعرف بمراسم البروتوكول والمرسلات الدبلوماسية، ومكث في ديوان الإنشاء أعوام طويلة إلى أن وضع مؤلفه الكبير صبح الأعشى في صناعة الإنشاء.
من الجائز عدم اعتبار القلقشندي مؤرخًا بالمعنى الدقيق فأنه يقدم إلى مصر العديد من الوثائق الإدارية والسياسية التي تلقي الضوء على مختلف النظم التي قامت عليها الدول الإسلامية المصرية المتعاقبة، ومختلف العلاقات التي كانت تعقد بين هذه الدول المصرية والدول التي عاصرتها.