في عام 1969 كشفت الطبيبة والخبيرة النفسية إليزابيث كوبلر روس  في كتابها (عن الحزن والوفاة) عن رؤيتها للمراحل التي نمر بها عقب مرورنا بالصدمات العاطفية القاسية، وهي الرؤية التي تم تسميتها باسم ” مراحل الحزن الخمسة ” أو ما اتفق الخبراء النفسيون على تسميته فيما بعد باسم ” نموذج كوبلر “، وهو النموذج الذي اتخذ أول أشكاله التعريفية الكاملة في كتاب كوبلر الأخير الذي أصدرته قبيل وفاتها ( عن الحزن والأسى )  والذي شاركها كتابته الكاتب المتخصص في العلوم النفسية ” ديفيد كيسلر ” الذى تبنى هذه الرؤية في كتاباته وأبحاثه اللاحقة .

وتقدم رؤية أو نموذج كوبلر المعروف باسم (مراحل الحزن الخمسة) تعريفاً للمراحل التي يمر بها الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات كبيرة ، مثل تشخيص حالاتهم المرضية بأمراض قاتلة ، أو تعرضهم لخسارة قاسية مثل خسارة أحد الأشخاص المقربين أو ضياع ثروة ضخمة أو ما شابه من الصدمات العاطفية التي قد تؤدي في النهاية إلى مضاعفات نفسية خطيرة ، كما قدم نموذج كوبلر لمراحل الحزن الخمسة من خلال هذا التعريف وسيلة للتعامل مع كل مرحلة بأسلوب قائم على الدراسة النفسية .

مراحل الحزن الخمسة

1- مرحلة الإنكار
تقول كوبلر في كتابها أن هذه المرحلة هي التي تساعدنا على النجاة الأولية من الصدمة ، حيث نقوم خلالها بالتعامل مع الصدمة وكأنها لم تحدث بالفعل ، ويقوم المتعرض بالصدمة لا إرادياً بالتشويش على إفكاره والمراوغة معها لكي يحاول إقناع عقله الواعي بأن شيئاً ما لم يحدث ، وحينها ( على حد قول كوبلر ) تصبح الحياة غير ذات قيمة ، حيث يصاب المتعرض للصدمة بحالة من الشلل الفكري والعقلي ، وهو ما يساعد على التقليل من حدة الصدمة واشتعالها المبكر .

2- مرحلة الغضب
تعد هذه المرحلة هي المرحلة التي يستيقظ فيها عقل المتعرض للصدمة ، حيث تنتهي مرحلة الإنكار ويدخل المصاب في حالة من الغضب على الواقع المشوب بالحقد في بعض الأحيان ، وفي هذه المرحلة يصبح التعامل مع الشخص أصعب وأكثر حدة ، ولكن على حد قول كوبلر تعد هذه المرحلة ضروريبة جداً لإتمام العلاج .

3- مرحلة المساومة
يعود الأمل مرة أخرى للشخص المتعرض للصدمة خلال هذه المرحلة ، فيحاول عقله الباطن أن يقنعه بأنه يمكن التعامل مع هذه الصدمة من خلال المساومات ، بمعنى أن يقول الشخص على سبيل المثال في حال تخطيت هذه الأزمة سأقوم بمساعدة الفقراء” أو “عندما أتجاوز هذه الوعكة بأقوم بالتوقف عن التدخين ، وتساعد هذه المرحلة على دفن الحزن وتجنب أعراضه .

4- مرحلة الاكتئاب
وهي أولى مراحل الاعتراف بالواقع  ، فبعد انتهاء مرحلة الإنكار والغضب ، والاقتناع بفشل مرحلة المساومة ، يعترف المريض بالواقع ليدخل في حالة من الاستسلام والإحباط المصحوبان بالاكتئاب ، وهنا يبدأ المريض في الابتعاد عن اهتمامته مثل العمل والمهام العائلية وما شابه، ويتجه رويداً نحو الانعزال والتقوقع ، وتقول كوبلر أن هذه المرحلة هي أكثر مراحل الحزن خطورة وأكثرها حساسية في التعامل مع من يمر بها .

5- مرحلة القبول
وهي مرحلة عودة الاستقرار النفسي والذهني للمتعرض للصدمة ، ففي حالة مقاومته للاكتئاب ونجاته منه ، يبدأ الشخص في القبول بالواقع بل ومحاولة إيجاد منافذ بديلة للتعامل مع الصدمة والمرور بسلام منها.

وتقول كوبلر بان هذه المرحلة تمثل التصالح مع الواقع والنفس وتعيد الأمل الذي يساعد الشخص على الاستمرار في الحياة.

نبذة عن الكاتبة إليزابيث كوبلر روس
ولدت إليزابيث كوبلر روس في مدينة زيورخ السويسرية في الثامن من يوليو عام 1926 لعائلة نصفها سويسري ونصفها الآخر أمريكي ، وفي عام 1957 تخرجت من كلية الطب بجامعة زيورخ بعد أن ازداد شغفها بالطب خلال مشاركتها كمساعدة في معسكرات اللاجئين إبان الحرب العالمية الثانية .

في عام 1958 وبعد زواجها هاجرت كوبلر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتعزز دراستها للطب النفسي ، من خلال الدراسة الأكاديمية والأبحاث العلمية التي مارستها خلال عملها كطبيبة في إحدى المستشفيات الأمريكية ، ومسلكها الأكاديمي الذي تنوع بين العمل في جامعة كولورادو وجامعة شيكاغو.

لم تتوقف إليزابيت كوبلر روس عن عملها مع المرضى حتى خلال انشغالها بالمسلك الأكاديمي، وقد تخصصت في التعامل مع المرضى المعروفين بقربهم للموت بسبب إصاباتهم بأمراض قاتلة، وهو ما ساعدها على إتمام أبحاثها المتعلقة بمراحل الحزن والتي كشفت عن نموذجها الأولي في كتاب “عن الموت والوفاة” كما ذكرنا سابقاً.

استمر عمل إليزابيث كوبلر الشغوف في مجال تخصصها حتى بعد إصابتها بالشلل النصفي في عام 1995 ، والذي اضطرها لاستخدام الكرسي المدولب حتى وفاتها في منزلها في أريزونا في الرابع والعشرين من أغسطس من عام 2004 ، لتنتهي مسيرتها العلمية التي حصلت خلالها على 20 درجة علمية شرفية ، وأثرت من خلالها مجال الطب النفسي بنموذج لا يزال يستعمله الخبراء والأطباء النفسيون حتى يومنا هذا .