قصة أبو عمرو الجهضمي وجاره، هي قصة من التراث تحكي عن فصاحة العرب وقدرتهم على الرد وإصابة الهدف بأقل الكلام، وصاحب القصة هو أبو عمرو الجهضمي الذي ضاق من جاره الطفيلي لأنه كان يتتبعه إلى الولائم فقرر أن يفضحه أمام الجميع إلا أنه تفاجأ من قوة رد جاره عليه وإحراجه له، وهذه القصة وردت في كتاب “ثمرات الأوراق” لـ ابن حجة الحموي ، تقي الدين أبو بكر بن علي المتوفى في ٨٣٧هـ .
أبو عمرو الجهضمي وجاره:
قال أبو عمرو الجهضمي كان لي جارٌ طُفَيليّ وكان من أحسنِ الناسِ منظرا وأعذبهم منطِقا وأطيبَهُم رائحة فكان من شأنه إذا دُعِيتُ إلى وليمةٍ يتبعُني فيكرمه الناسُ من أجلي ويظُنُّون صُحبتي له فاتفقَ أن جعفر بن القاسم الهاشمي أمير البصرة أراد أن يختـُن أولاده فقلت في نفسي كأني برسول الأمير قد جاءني وكأني بالطُفيلي قد تبـِعَني واللهِ لئِن فعل لأفضحنّه.
فأنا على ذلك إذا جاءني رسولُ الأمير يدعوني فما زِدت على أن لبستُ ثيابي وخرجت فإذا أنا بالطُفيلي واقفٌ على بابِ داره وقد سبقني بالتأهُب فتقدمتُ وتبـِعني فلمَّا حَضَرت الموائد كان معي على المائدة فلمّا مدَّ يده ليأكُل قلت حدثني درسة بن زياد عن أبان ابن طارق عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم «من دخل دار قوم بغير إذنهم فأكل طعامهم دخل سارقا وخرج مُغيراً».
فلمّا سَمِع الطُفيلي ذلك قال أنفتُ لك والله يا أبا عمرو من هذا الكلام على مائدةِ سيدِ من أطعم الطعام فإنه ما من أحدٍ من الجماعة إلا وهو يظنُّ أنّكَ تعرضُ به دون صاحبه وقد بخلْتَ بطعامِ غيرك على من سِواك ثم ما استحييت حتى حدثت عن درسة بن زياد وهو ضعيف!! وعن أبان بن طارق وهو متروك الحديث!! والمسلمون على خِلافِ ما ذكرت فإنَّ حُكمَ السارقِ القطع وحُكمَ المُغيرِ أن يُعزّر على ما يراه الإمام.
وأين أنت من حديث حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن الزبير عن جابر قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «طعام الواحد يكفي الأثنين وطعام الأثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية» وهو إسناد صحيح ومتَنٌ صحيح مُتفقٌ عليه قال أبو عمرو واللهِ لقد أفحمني ولم يحضُرني جواب فلمَّا خرجنا فارقني من جانبِ الطريق إلى الجانبِ الآخر بعد أن كان يمشي ورائي وسمعتـُه يقول:
ومن ظنّ مِمن يُلاقي الحروبَ **** بأن لا يُصابَ فقد ظنّ عجزَا
الخلاصة:
لا تستهين أبدًا بمن أمامك، واسأل دائمًا عن عدوك قبل أن تلقاه فالجهل هو العدو الحقيقي الذي يهلك صاحبه فلو كان الجهضمي يعلم حال جاره من فصاحته وعلمه وقوة رده لما كان وقع في هذا الفخ أمام الحاضرين ولكان استعد له بما هو أقوى من الدلائل والحجج.