عرف الإنسان منذ بدأ الخليقة بأنه إنسان مدني وهذا ما أكد عليه علماء الاجتماع إذ قالوا عن الإنسان بأنه مدني بطبعه، ويقصد هنا أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمعزل أو منفردًا وإنما يميل إلى المعيشة في تجمعات أو في شكل اجتماعي، ويعود ذلك إلى أن المجتمعات تحوي مجموعة متفاوتة من الناس في القدرات، حيث يعمل كل فرد فيها دور أو وظيفة بحيث يكمل كل منهم دور الآخر حتى تنتج مجتمعات سوية، وتظهر تلك الأهمية في العصور الحديثة ومع تكون الفكر الاجتماعي الحديث والمجتمعات الكبيرة والمتشعبة.
رأي علم الاجتماع في الحياة الاجتماعية للإنسان
لن نتشعب كثيرًا حول هذا الفكرة مع علماء كثر لذا دعونا نأخذ بكلام العالم ابن خلدون الذي يمثل أبو علم الاجتماع الحقيقي والذي تحدث في ذلك فقال إن الإنسان بمفرده يكون شخص عاجز عن توفير أبسط احتياجاته، فهو مثلًا بحاجة لإشباع معدته وأبسط ما يحتاجه هنا هو رغيف الخبز والذي حتى يصل إلى شكله القابل للأكل أن يمر بسلسلة طويلة من العمليات نستطيع تتبعها من أعلى إلى أسفل.
فرغيف الخبز يحتاج إلى القمح، والقمح يحتاج إلى أن يزرع، وللزراعة أنت بحاجة إلى آلات زراعية، وللحصول على الآلات الزراعية فأنت بحاجة إلى صناعتها إلى أخره من العمليات التي تحتاج في كل مرحلة منها أو لكل عملية منها نوعية مناسبة من الأشخاص القائمين عليها، فنجد هناك الصناع وهناك المزارعين وهناك الخبازين فنلاحظ بأن كل فرد فيهم له دور يكمل الآخر، لذا فإن الإنسان بحاجة للمعيشة في مجتمعات تحوي أشخاص بقدرات متفاوتة.
الحياة الاجتماعية حياة تفاعلية
يعيش الإنسان في مجتمعات ولكن هناك شروط لهذه المعيشة والتى منها التفاعلية فالإنسان يجب أن يوجد نوع أو درجة من التفاعل داخل محيطة الاجتماعي والذي يتجلى في شكل تعاون ومحبة مع أفراد مجتمعه مثل أفراد الأسرة ورفاق العمل أو رفاق الدراسة .
يجب على الإنسان أن يتمتع بدرجة من حسن الخلق وكذلك الصدق والأمانة والإخلاص والتخلص من العادات التي تنفر منه من يحيطون به وتدفعهم للابتعاد مما يمكن أن يتركه في عزلة.
الحياة الاجتماعية من المنظور الإسلامي
الدين الإسلامي دين جامع شامل حيث تجد بداخله الأطر العاملة لمختلف نواحي الحياة ايًا كانت فلم يترك صغيرة أو كبيرة إلا وأرسى لها قواعدها وبالتالي لن يغفل الدين الإسلامي عن وضع القواعد لشكل حياة الإنسان الاجتماعية والتي تسير وفق الضوابط الشرعية والتي يمكن إجمالها في الآتي:
-أن يكون الإنسان محبًا للحياة مقبلًا عليها.
-يشغل الإنسان أوقاته دائمًا فبخلاف العمل هناك العبادات وهناك الهوايات مما يعمل على تنشيط الحياة وتحريك مياها الراكدة ويجعل الإنسان مستمتعًا بتلك الحياة كما أنها تساعده على أن يتواجد في محيطات اجتماعية متنوعة ومختلفة.
-أن يضع الإنسان لنفسه هدف وخطة مناسبة لتحقيقه والوصول إليه دون كلل أو ملل فلا يوجد طعم للحياة دون غاية أو هدف نسعى إليه بهمة ونشاط.
-التواد والتراحم والاحترام بمختلف أشكاله.
-التفاعل مع الناس في مواقفهم سواء المفرحة أو الحزينة مما يعمل تقوية العلاقات الاجتماعية وتنمية روح المحبة بين الأفراد.
-أن يراعي الإنسان التوازن بين المادة والروح فالإنسان يتمون من مادة وروح كل منهم بحاجة لغذاء مناسب له على أن لا يطغى أحدهما على الآخر لذا فالإنسان بحاجة إلى الزواج والأسرة مثًلا مما يشبع حاجة مادية وحاجة روحية لديه كما أنه بذلك ينفذ أمرًا ربانيًا وأمرًا من النبي صل الله عليه وسلم.
أثر العزلة على الإنسان والمجتمع
يمكن أن يميل الإنسان إلى العزلة الاجتماعية نتيجة لأي سبب من الأسباب وهنا يجب أن نعرف بأن الوحدة أو العزلة يمكن أن تكون شعور فقط أو يمكن أن يتم ترجمته إلى شكل عملي بالانفصال عن المجتمع المحيط بك أو قصر معاملاتك داخله لتكون في أضيق الحدود.
للأسف فإن تلك العزلة يمكن أن تتفاقم مؤدية إلى آثار عنيفة يمكن أن تصل حد التهديد بالموت، حيث أن شعور الإنسان بالوحدة يؤثر وبشكل كبير على حالته الجسمانية والصحية، إذ تدفع مختلف أجهزة الجسم إلى الاضطراب أو الضعف في عملها وعلى رأس تلك الأجهزة الجهاز المناعي مما يهدد جسم الإنسان بالأمراض المميتة.
كذلك تلك الفئة من الناس تزيد لديهم نسبة الإصابة بالأمراض النفسية وعلى رأسها الاكتئاب والخرف والخمول الذي يزيد من نسبة التعرض للإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين، ويعتبر الرجال هم الأكثر تعرضًا لمشكلة العزلة الاجتماعية بنسبة أعلى من النساء.
تعتبر المجتمعات العربية هى الأفضل حالًا فيما يخص العزلة الاجتماعية ويعود ذلك إلى الدين الإسلامي المنتشر في تلك المجتمعات والذي يدعو في كل المواقف إلى التواد والتراحم والتواصل بأشكال مختلفة منها البسيط ومنها المتعمق إلى ابعد الحدود، وكذلك العادات والمورثات التي تربت عليها تلك المجتمعات والتي تتكامل مع التربية الدينية الإسلامية.
وهنا يجب أن لا نغفل عن الأمر الأساسي الذي يؤثر في تلك العملية وهو الأسرة، فإن لم تغرس الأسرة من البداية في نفوس الأبناء أهمية الحياة الاجتماعية وكيفية التواصل السليم مع عناصر البيئة المحيطة فسيحدث الخلل في تلك الحياة الاجتماعية، والذي يؤدي في النهاية إلى العزلة الاجتماعية سواء كانت مجرد إحساس أو فعل عملي.