تتغلغل الأساليب البلاغية في اللغة العربية بكثرة ؛ حيث أنها تمدها بسحر خاص وجمال مميز ، وتتعدد هذه الأساليب اللغوية البليغة التي تمنح للمعنى قوة ووضوح ، ومنها الاستعارة والكناية والتشبيه وغيرهم من الأساليب الأخرى المستخدمة في اللغة ، ولقد تم استخدامها بكثرة في الحياة الأدبية وما يتعلق بها ؛ حيث أنها من التعبيرات المهمة جدًا في اللغة العربية ، كما أنها موجودة في القرآن الكريم ، ولذلك فإنها تُعتبر من القواعد الأساسية المتبعة في اللغة العربية ، وتُعد الاستعارة من أبرز الصور البلاغية المستخدمة والتي تحمل بداخلها جمالًا يميزها بصورة خاصة.
ما هي الاستعارة
عُرفت الاستعارة على أنها تشبيه تم حذف أحد طرفيه من الكلام ؛ حيث يتم حذف المشبه أو المشبه به ليتبدل الأمر من تشبيه إلى استعارة ، ومن الأمثلة على ذلك “رأيت الرجل كالأسد يتكلم” ؛ في هذه العبارة تشبيه حيث ذكر المشبه وهو الرجل والمشبه به وهو الأسد ، أما في الاستعارة فإن العبارة تصبح “رأيت أسدًا يتكلم” ؛ حيث تم حذف المشبه وهو الرجل لتصبح هذه الجملة استعارة عنه.
أنواع الاستعارة
وتنقسم الاستعارة إلى :
استعارة تصريحية
وفي هذه الاستعارة يتم التصريح بالمشبه به وحذف المشبه ، مثل قول الله تعالى “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ” ، وفي هذه الآية الكريمة استعارة عن الكفر والإيمان ؛ حيث أن المولى عزّ وجل قد شبه الكفر وكأنه ظلمات ، كما شبه الإيمان بالنور ، وقد حُذف الكفر والإيمان من الآية الكريمة وهما المشبه ، وتم التعويض عنهما بكلمتي الظلمات والنور ، لتعبر الآية عن استعارة تصريحية.
استعارة مكنية
وفي هذه الاستعارة يتم حذف المشبه به ؛ بينما تبقى إحدى صفاته لتدل عليه ، مثل “يتحدث التاريخ عن أمجاد الأمة الإسلامية” ؛ حيث تم حذف المشبه به وهو الإنسان لأن الأصل في العبارة هو التاريخ يتحدث مثل الإنسان ؛ غير أنه لم يتم ذكر الإنسان بشكل صريح ولكن ظهرت صفة من صفاته المعروفة وهي التحدث لتدل عليه ، لتكون العبارة هنا استعارة مكنية.
استعارة تمثيلية
تُعتبر الاستعارة التمثيلية في الأصل تشبيهًا تمثيليًا ، وفيها يتم التصريح بالمشبه به وحذف المشبه ، وهذا النوع تحديدًا من الاستعارة يشيع استخدامه في الأمثال الشعبية مثل “لكل جواد كبوة” ، وتعني هذه العبارة أو المثل أن الجواد قد يسقط وينهزم على الرغم من قوته ، وفيه استعارة عن حال الإنسان الذي قد يقع في الخطأ مع أن ذلك ليس من عادته المعروف بها مثل حال الجواد ، وفي هذه الحالة يتم استخدام التراكيب عن طريق استعارة تركيب لتركيب آخر لتوضيح المعنى.
سر جمال الاستعارة
تُستخدم الاستعارة كأسلوب بلاغي جمالي يمنح الكلام قوة ويعطيه رونقًا وصورة حسنة وجميلة ؛ حيث أنها تقدم المعنى مجسدًا وواضحًا ، مما يزيد من الصور الخيالية البديعة في النفس ، مثل قول البحتري “قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم .. طاروا إليه زرافات ووحدانًا” ، وقد قام الشاعر هنا بتصوير الشر وكأنه حيوان مفترس قد كشّر عن أنيابه ، وهو ما يثير الرعب في النفوس لمجرد تخيل الصورة المستخدمة ، كما أبدع في تصوير القوم حيث جعلهم كالطيور التي تطير لمهاجمة الأعداء ، وهو ما يجلب الإعجاب بشجاعتهم وكأنهم صورًا حقيقية ومرئية أمام العين ، ولذلك فإن الاستعارة من الأساليب البلاغية التي تمنح الكلام قوة ووضوح وتأكيد وسعة خيال وتشخيص.