يُعرف عقوق الوالدين في اللغة بأنه القطع للوالدين والشق، أما اصطلاحًا فهو يعني مخالفة الوالدين فيما يرغبان من الأمور الجائزة، مع إلحاق الآذية بالوالدين سواء بالقول أو بالفعل، إلا في المعصية والشُرك، وعقوق الوالدين من المعاصي الكبيرة التي تُعجل بها العقوبة للعاقّ في الدنيا، غير العقوبة التي تؤجّل له في الآخرة أيضًا، وعلى الرغم من أن العقوبة غير محددة إلا أنها بالتأكيد ستكون قوية، حيث أن الجزاء من جنس العمل، فقد يبتلي الله الابن العاق بأولاد يعقّونه.
مظاهر عقوق الوالدين
عقوق الوالدين وعدم البرّ بهما من كبائر الذنوب والمعاصي، ويعني هذا القيام بالأشياء التي تسبب الآذى لهما سواء بالقول أو الفعل، ونهى الله سبحانه وتعالى عن عقوق الوالدين وخصها بعقوبة كبرى، فلابد على المسلم إماطة الآذى عن الوالدين كما كانا الوالدين يفعلان لأبنائهما في الصغر، فعقوق الوالدين من الأسباب التي تؤدي إلى دخول النار في الحياة الآخرة، فالعاق لوالديه يفتح له بابان إلى جهنم، ويُحرم من النظر إلى وجه لله تعالى وعدم المغفرة لذنوبه، ويُحرم من صحبة الأنبياء عليهم الاسلام والصديقيين والشهداء، ولا يُوسع الله للعاق في رزقه وكسبه وسعيه، ولا تُقبل أعماله من الله سبحانه وتعالى.
وتتعدد مظاهر عقوق الوالدين وتختلف في شدتها، ومن بين تلك المظاهر :
ـ التسبب في حزن الوالدين وبكائهما، وتشديد الغلطة عليهما.
ـ التبرّم والتأفّف في وجه الوالدين وإظهار الضجر والضيق من أوامرهما.
ـ العبوس في وجه الوالدين وتقطيب الجبين لهما، فتتحول الوداعة والسماحة لدى الابن إلى غلظة وفظاظة عند وجودهما.
ـ احتقارهما والنظر إليهما نظرة مهينة أو سيئة، والتأمر عليهما بإعداد الطعام وغسل الثياب وغير ذلك من الخدمات التي لا تصلح في حالة كان الأم كبيرة أو غير قادرة، وحتى إن كانت قدرة فلابد من الدعاء لها وشكرها.
ـ ترك مساعدة الوالدين وخاصة الأم في أعمال المنزل كالترتيب والتنظيم وإعداد الطعام وغير ذلك.
ـ الغياب الطويل عن الوالدين، أو عن الحيّ منهما، دون وجود عذر، حيث يعذر الابن بالغياب عن والديه إذا كان الغياب بسبب طلب العلم النافع أو الكسب الحلال.
ـ سب أو شتم الوالدين أو أحدهما، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ـ البخل على الوالدين، وعدم الإنفاق عليهما في حالة وجود إمكانية لدى الابن.
ـ عدم احترام وتوقير الوالدين وتقديرهما.
ـ الامتناع عن الدعاء للوالدين في حياتهما وبعد موتهما، والامتناع عن الاستغفار لهما.
ـ الامتناع عن صلة أقارب وأصدقاء الوالدين وحضور المناسبات الخاصة بهم.
ـ عدم أداء ديون الوالدين سواء كانت ديون مادية أو معنوية.
ـ عدم طاعة الوالدين ورفض تنفيذ أوامرهما إذا كانت في غير معصية الله.
ـ خيانة الابن لوالديه أو إحداهما في أحد الأمور التي ائتُمن عليها الابن.
ـ الذهاب إلى الجهاد في سبيل الله تعالى دون إذن الوالدين.
أسباب عقوق الوالدين
تتعدد أسباب عقوق الوالدين باختلاف أعمار الأبناء وظروفهم وأوضاعهم، ومن بين تلك الأسباب :
ـ جهل الأبناء بخطورة ذنب عقوق الوالدين، وجهلهم بمنافع بّرهما في الدنيا والآخرة.
ـ سوء تربية الوالدين لأولادها، وعدم تعوديهما على التقوى والصلة والبّر.
ـ تناقض الوالدين في أعمالهما وأقوالهما، كأن يقولا للأبناء شيء ويفعلون عكس هذا الشيء تمامًا.
ـ الصحبة السيئة، والتي تحدث نتيجة سوء اهتمام الآباء ورقابتهما على الأبناء.
علاج عقوق الوالدين
ـ لابد من رجوع المسلم العاق إلى ربه والتوبة، ومراجعة النفس وكفّ اللسان عن الآذى للوالدين.
ـ التحلي بالأخلاق الحسنة كالتواضع وكظم الغيظ، والتدرّب على دفع الغضب ومجاهدة النفس لكل ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
فضل الوالدين
ـ يُعد برّ الوالدين من أكثر الطرق الموصلة إلى رضا الله سبحانه وتعالى، حيث قال الرسول صلّ الله عليه وسلم ” رضاء الله في رضاءِ الوالدِ، وسخَط الله في سخَط الوالد”، رواه ابن حبان في صحيحه، ولذلك لابد أن يحرص المسلم على برّ والديه، ويكون ذلك عن طريق التحدث إليهما بلطف ولين وبأحسن وأفضل الكلمات، دون رفع الصوت عليهما، فقال الله سبحانه وتعالى ” فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا” سورة الإسراء الآية 23.
ـ لابد من جعل الوالدين يسمعون دائمًا كلمات الحب والمودة والحنان، حيث أنهم بحاجة إلى ذلك دائمًا من أبنائهم، ويعتبر هذا الشيء من صور البرّ بالوالدين دون الإنشغال عنهم، فيجب ألا ينشغل الأبناء بأي شيء أثناء جلوسهم مع الوالدين.
ـ أمر الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين حتى وإن كانا كافرين، حيث قال عز وجل ” وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”، سورة لقمان الآية 15.
ـ من الواجب على المسلم الصّبر على ما يصدر من والديهم وخاصة في حال كبر السن والعجز والضعف، حيث أنهما في تلك الفترة يكونان بحاجة إلى التعامل بصبر وحلمٍ وسعة صدر، ويعتبر هذا سببًا من أسباب دخول الجنّة في الآخرة.