ذكريات الطفولة جميلة يصعب نسيانها فهي تحمل أيام البراءة والعذوبة ، قد يكون منها ما هو مؤلم ومنها ما يدخل البهجة والسرور على القلوب ، فهي أيام حملت لنا صحبة وحياة ، ربما لايمكن تكرارها في الوقت الحالي ، وتلك الذكريات تتعلق بكل تفاصيل حياتنا ، وأكثر هذه الذكريات ماهو متعلق بأيام الدراسة التي تملك الكثير من الذكريات ، فمنها ما حدث ويصعب علينا تذكره بشكل كامل ومنها ما يظل محفورا في عقولنا ويصعب بل يستحيل علينا نسيانه أبدا أو محوه من الذكريات.
ذكريات ايام الدراسة
وتعد هذه الأيام من أجمل الأيام التي عشناها والتي تحمل في طياتها الكثير من المعاني الجميلة ، حيث جمعتنا بأشخاص جدد لم نكن على معرفة بهم فيما قبل لنكون معهم الصداقات والعلاقات الاجتماعية التي تظل معنا طوال العمر .
لقد غرست فينا هذه الأيام العديد من القيم التي كنا نتلقاها من خلال المواد الدراسية التي نتعلمها أو عن طريق المعلمين والمعلمات الذين يعدوا من العلامات المميزة في حياتنا ، وتلك الأيام تظل محفورة بالذهن بحلوها ومرها ، ولكل مرحلة دراسية ذكريات مختلفة وتحمل معها بعض مداخل الحب والسرور على قلوبنا وكذلك الحزن والألم والفراق ، فهي تحمل معها جملةٌ من المشاعر المختلطة بين الحب والكره والحزن والفرح واللقاء والفراق جميعها مشاعر مختلطة يصعب علينا كأفراد نسيانها بل إنها تترك علامة في سطور الذكريات.
ومن منا لم يعبر بهذه المراحل التي أثرت بنا وطورت من شخصياتنا وتعلمنا منها الكثير ، فهي من أروع اللحظات التى مررنا بها في حياتنا ، ولا تغيب هذه الذكريات عن بال أي طالب ويزداد دائما حنينه وشوقه إليها ويتمنى لو يرجع به الزمن لحظات إلى الوراء مرة أخرى كي يستمتع بتلك اللحظات التي لا تمحى من الذاكرة ولكي يحاول أن يفعل ما لم يكن بوسعه القيام به ، وكثير من الأحاسيس التي يمر بها الطلاب التي تحظى بالحب والملل ، فقد كنا نمل من كثرة وعبء المواد الدراسية ولكن عندما تأتي لحظات المرح واللعب كأن شيئا لم يكن من هذا الشعور .
ومن منا أيضا لا يتذكر هؤلاء المعلمين الذين جعلوا الدراسة لنا كالماء والهواء من شدة حبنا لهم وحب صفاتهم التي يتمتعون بها ، ولأن مراحل الدراسة هي فترة التعلم واكتساب الصفات فجميعنا كان يتخذ من بعض المعلمين قدوة له يتقن صفاته ويقلدها ويقتدي به في كل خطوة يمر بها ، ولما كانت أيام الدراسة بها الكثير من الذكريات فمن المؤكد وجود يوما لا ينسى ولذلك سأروي لكم هذا اليوم الذي يظل محفورا بذهني .
مذكرات يوم دراسي لا ينسى
كان من أجمل الأيام بحياتي ، كنت وقتها في الصف الثالث الإعدادي ، ووقتها مررت بلحظات لا أستطيع نسيانها أبدا ، استيقظت فيه من النوم مبكرا على غير العادة لم انتظر يومها كي تيقظني أمي مثل كل يوم ، كان أبي جالسا على الكرسي يقرأ القرآن كعادته اليومية ، أسرعت واتجهت إليه وقبلته وطلبت منه أن يدعوا لي بالتوفيق والنجاح.
بدأت بعدها بالاستعداد ليومي بغسل وجهي ثم الوضوء ، ثم صليت وكانت أمي قد استيقظت وبدأت تحضر لي الفطور ، غيرت ملابسي وارتديت الزي المدرسي الذي أحبه ، وأخذت حقيبتي التي كنت أعددتها مساء اليوم الذي يسبقه ، وبعدها خرجت من المنزل وكنت أسمع صوت أمي وهي تدعو لي بالتوفيق والنجاح .
وصلت لمدرستي ودخلت من باب المدرسة ، ودق الجرس وصوت الأستاذ يعلو بقول أجمعوا للطابور ، وقد أجمع الكل لحضور طابور الصباح وسمعنا الإذاعة المدرسية ومن بعدها تحية العلم وبدأ كل معلم يقف بجوار الفصل الذي يخصه ، وبعد أن انتهينا منه أسرعنا متجهين إلى الفصول .
مفاجأة في يوم الدراسة
وفجأة ونحن نستمع لشرح الدرس دخل علينا الفصل مدير المدرسة وكان رجلا محبوباً وبعد أن ألقى علينا التحية بدأ يتحدث عن الجهد الدراسي وما يجب علينا فعله لكي نصبح من الأوائل ، وبعدها ذكر اسمي بصوت عالي ، ارتبكت حينها وتراودت داخل عقلي الكثير من الأقكار عن السبب الذي جعله يناديني ، وفجأه وجدته يطلب من كل أصدقائي بالحجرة الدراسية أن يصفقوا لي وبدأت أفكر لماذا يطلب المدير من الطلاب أن يصفقوا لي ، وكان السبب حينها أن نتيجة اختبار الشهر قد ظهرت وكنت أنا في أول قائمة الناجحين حيث كنت حاصل على الدرجات النهائية في جميع المواد ، وبدأت أسمع التصفيق والتهاني من كل أصدقائي ، ثم قال لقد جهزنا لحفلة في هذا اليوم لتكريم أوائل الطلاب الذين حصلوا على أعلى الدرجات وكنت أنا أولهم .
وبعد أن أنهينا الدرس بدأنا الخروج من الحجرة الدراسية ونزلنا إلى الملعب ، ثم بدأنا الحفلة التي جهزها المدير والمعلمين ، وبدأ المدير في إلقاء كلمته على الطلاب وبعد منه قام بعض المعلمين بتهنئة الطلاب المتفوقين من خلال ميكرفون المدرسة ، وخلال كل تلك الأحداث كنت أطير فرحا وسعادة ، وفجأة وأنا واقفة مع أصدقائي وجدت والدي ووالدتي وجميع أولياء الأمور للطلبة المتفوقين يخرجون من حجرة المدير وكلا منهم يمسك بيده هدية مغلفة قد أعطاها لهم مجلس إدارة المدرسة لكي يهدونا إياها ، ومن ثم قام المدير ينادى على اسم كل طالب على حدة يهنئه ثم يطلب منه أن يتجه نحو والديه لكي يأخذ منهم الهدية.
وعندما جاء الدور هتف المدير باسمي ، شعرت وقتها بفرحة لا توصف واتجهت مسرعة نحوه وتبدو على ملامحي مظاهر البهجة والسعادة الحقيقة النابعة من القلب نتاج جهد عمل قمت به خلال المذاكرة كي أصل لهذه اللحظة السعيدة ، وبعد أن قدم لي المدير التهنئة ذهبت إلى والدي الذي كان ينظر لي بسعادة وحب وكانت تملأ عيناه دموع الفرحة اتجهت إليه ، وأخذت منه هديتي وقبلت يده وقبلت يد أمي التي كانت تحضنني بشدة نتيجة الفرحة التي قدمتها إليهم ، ومن ثم طلبت من المدير أن يسمح لي بأن أقول كلمة في الميكرفون فسمح لي بذلك.
بدأت الحديث بشكري لله على توفيقه إياي ، ثم شكر إدارة المدرسة التي قامت بالجهد الكبير لكي تدخل السعادة على قلوبنا وتحمسنا للمزيد من التفوق ، وقدمت الشكر لوالدي الذين كان لهم الفضل الكبير في تفوقي ونجاحي ، وقدمت نصيحة لكل أصدقائي بالمزيد من الجهد لكي يصلوا لتلك السعادة التي لا أستطيع نسيانها وبعدها قمت بالنزول أنا وأبي وأمي وانتظرنا إلى أن انتهت الحفلة ورجعنا سويا إلى المنزل ونحن مغمورين بالفرح ، وكان هذا اليوم أجمل يوم بحياتي كلها يوم النجاح والتفوق ، وأصبح يوما محفورا بالذاكرة يستحيل نسيانه.