تفسير الآية {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256]، وبيان ما بها من أحكام شرعية تدور حول مسألة قبول الجزية من الكفار من عدم قبولها، ومن هم الذين خصهم القرآن بقبول الجزية؟، وهل يجوز إكراه الكفار من غير أهل الكتاب والمجوس على الدين؟ وما هي الاحاديث والآيات التي تدل على ذلك؟.
تفسير « لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي »:
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسير الآية {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة:256] : هذه الآية خبر معناه النهي أي لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يرد الدخول فيه، فإنه قد تبين الرشد وهو دين محمد صل الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعهم بإحسان، وهو توحيد الله بعبادته وطاعة أوامره وترك نواهيه من الغي، وهو: دين أبي جهل وأشباهه من المشركين الذين يعبدون غير الله، من الأصنام، والأولياء، والملائكة، والأنبياء، وغيرهم، وكان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الجهاد بالسيف لجميع المشركين إلا من بذل الجزية من أهل الكتاب والمجوس، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصةً لأهل الكتاب والمجوس إذا بذلوا الجزية والتزموا الصغار، فإنهم لا يكرهون على الإسلام، بسبب هذه الآية الكريمة ولقوله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، فرفع سبحانه عن أهل الكتاب القتال إذا أعطوا الجزية، والتزموا الصغار.
على من تجب الجزية؟ وهل يمكن قبول الجزية من غير أهل الكتاب من الكفار ؟
ويضيف سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: أنه ثبت في صحيح الأحاديث النبوية عن النبي صل الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، أما ما سوى ذلك من أهل الكتاب والمجوس من الكفرة والمشركين والملاحدة فإن الواجب مع القدرة على دعوتهم إلى الإسلام، فإن أجابوا فالحمد لله، وإن لم يجيبوا وجب جهادهم حتى يدخلوا في الإسلام، ولا تقبل منهم الجزية لأن الرسول صل الله عليه وسلم لم يطلبها من كفار العرب ولم يقبلها منهم، ولأن أصحابه رضي الله عنهم جاهدوا الكفار بعد وفاته صل الله عليه وسلم لم يقبلوا الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:5]، فلم يخيرهم سبحانه وتعالى بين الإسلام وبين البقاء على دينهم، ولم يطالبهم بالجزية بل أمر بقتالهم؛ حتى يتوبوا من الشرك ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فدل ذلك على أنه لا يقبل من جميع المشركين ما عدا أهل الكتاب والمجوس إلا الإسلام، وهذا مع القدرة والآيات في هذا المعنى كثير.
هل يجب إكراه الكفار على الإسلام؟ وهل يجوز ذلك في حق اليهود والنصارى ؟
ويضيف فضيلة الشيخ أنه قد صح عن رسول الله صل الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى، منها قول النبي صل الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس؛ حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل»، [متفق على صحته]، فدل ذلك على أن الواجب إكراه الكفار على الإسلام حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الكتاب وهم (اليهود والنصارى)، والمجوس؛ لما في ذلك سعادتهم في الدنيا والآخرة أما أهل الكتاب والمجوس فخصوا بقبول الجزية والكف عن قتالهم إذا بذلوها لأسباب اقتضت ذلك.