هي قصة طريفة حدثت لابن هشام القرطبي عندما سأله أعرابي عن عمره فلم يهتم ابن هشام بقدر اهتمامه باللغة العربية والتعابير الجميلة التي تؤكد المعنى وتوضحه، فالمسؤول كان أعلم من السائل فأراد المزاح معه، وما زاد من طرافة القصة هو حرص السائل على معرفة عمر الفقيه وذلك باستخدام أساليب متعددة، والتي أجاب عليها ابن هشام في كل مرة بإجابة مضحكة وطريفة.
ابن هشام وإجاباته المحيرة:
قال رجل لابن هشام القرطبي سائلاً إياه عَن عمره : كَم تَعُد؟ قال: مِن واحدٍ إلى ألف وأكثر.
قال : لَم أُرِدْ هذا! كم تَعُدُّ مِن السِن؟ قال: اثنتين وثلاثين سِنًا، سِتَةَ عَشَرَ فوق وستة عشر في الأسفل.
قال كم لك مِن السنين؟ قال: ليس لي منها شيء، السُنونُ كلها لله.
قال : يا هذا، ما سِنُّك؟ قال: عَظم!
قال : ابنُ كَم أنت؟ قال: ابن اثنين، رجلٌ وامرأة.
قال له : ليس هذا ما أردت! كم أتى عليك؟ قال له: لو أتى عليَّ شيءٌ لَقتلني!
قال : فما أقول؟ قال: تقول: كم مضى مِن عُمرك؟
في جمال اللغة العربية:
لغتنا العربية لغة الضاد، لغة مستساغة تطرب لها الآذان وضع لها علماء اللغة بعض القواعد التي تسهل على متعلمها التحدث بها ولما كانت العربية هي لغة القرآن الكريم، وجب الاعتناء بها والاهتمام بكل قواعدها والاعتزاز والافتخار بها، قديمًا كان الطلبة من البلاد الأوروبية عندما يأتون إلى بغداد والأندلس لدراسة الطب والعلوم كانوا يتحدثون بالعربية عندما يعودون إلى بلادهم كدليل على تعلمهم.
وهنا من خلال هذه القصة الطريفة أراد ابن هشام أن يعطي الرجل السائل درسًا في اللغة العربية عن اختيار الأسلوب الأفضل لإيصال المعنى وتوضيحه واستخدم في ذلك لهجة طريفة تجذب السامع لها وتفتح قلبه وعقله للاستزادة من علم هذا الفقيه الورع، الذي أحب اللغة العربية والفقيه.
ابن هشام القرطبي:
ابن هشام الأزدي هو هشام بن عبد الله بن هشام الأزدي القرطبي [525 هـ – 606 هـ]، عرف بـ أبو الوليد القرطبي، عمل كقاضي ومفتي لقرطبة، عرف عنه الذكاء والفطنة والبصيرة، كان ابن هشام من فقهاء ونبهاء بلده
ومن أهم مؤلفاته:
– المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام، يعد هذا الكتاب أحد المصادر الكبرى في علم الوثائق والأحكام، وهو كتاب معتمد في المذهب عند القضاة والمفتيين، يقول ابن هشام في مقدمته: فإنني ابتليت بالنظر بين الناس في الأحكام، والفصل بينهم في النوازل في مجالس الحكام، ولم أزل عند وقوعها أجعل هجيراي العكوف على استخراجها من أمهات الكتب، والوقوف على مواضعها في الدواوين المضمنة لها، وأقيدها عند كل نازلة تطرأ، أو حادثة تنشأ من الخصام، حتى اجتمع لي جملة صالحة من المسائل التي لا غنى عنها، ولا بد للحاكم منها، وقيدتها مفترقة حسب وقوعها في أوقات مختلفة.
فرأيت من استخارة الله تعالى أن أضم نشرها، وأنظم دررها، وأقيم ناقلة صورها، وأضيف إليها مسائل تليق بمعناها، تبعث النفس على البحث، والتقييم عن سواها، وأنسب كل ذلك إلى قائله، وأسمي الكتب التي نقلتها منها، ليكون ذلك تذكرة للطالب عند الوقوف عليها والنظر إليها.