ما أصدق ما قيل: عمل رجل في ألف رجل, خير من قول ألف رجل في رجل، لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم خبيبًا مع بعض أصحابه دعاة إلى الله ليعلموا الناس ويدعوهم إلى الإسلام، ولكن القوم غدروا بهم، فوقع أجرهم على الله، وكان خبيب رضي الله عنه ممن أسر ثم صلب بعد ذلك فكان استشهاده من أكثر المواقف تأثيرًا وتعليمًا للمسلمين فن الفداء والتضحية في سبيل الله والذود عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
خبيب بن عدي رضي الله عنه
اسمه هو خُبيب بن عدي و هو من الانصار من قبيلة أوس … و كان خبيب بن عدي من أوائل المسلمين الذين دخلوا الاسلام بعد دخول الرسول المدينة … و كان خبيب رضي الله عنه ملازم للنبي صلي الله عليه وسلم بعد هجرة النبي للمدينة … و كان يتميز بقوة ايمانه وشدة حبه للنبي صلى الله عليه وسلم …. و يتميز ايضا بالقوة و الشجاعة وك ان مقاتلا بارعا …. لقد شارك الصحابي الجليل خبيب بن عدي في غزوة بدر و أبلى فيها بلاءا ًحسنا ًو قتل فيها الكثير من المشركين و كان من بين الذين قتلهم خبيب في غزوة بدر الحارث بن عامر بن نوفل.
قصة أسر خبيب بن عدي رضي الله عنه
لقد اختار النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذات يوم عشرة من الصحابة ليذهبوا يتحسسوا في السر و يعرفوا نوايا قريش هل يستعدون لغزو جديد على المسلمين ام لا و كان من ضمن الذين اختارهم النبى صلى الله عليه وسلم خُبيب بن عدي و رأس عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت …. فلما ذهبوا هؤلاء الصحابة بالقرب من مكة عرف قوم من بني لحيان بالخبر فبدأوا يتتبعوهم فلما علم عاصم بن ثابت ذلك أمر اصحابه بالصعود الى قمة عالية للجبل فحاصرهم المشركون و قالوا لهم سلموا أنفسكم فرفض عاصم … فأخذ المشركون في ضربهم بالنبال فاستشهد كل الصحابة ماعدا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة … فربطوهم المشركون و أسروهم و أخذوهم الى مكة و هكذا أصبح خبيب بن عدي أسيرا ً لدى المشركين .
ماذا فعل المشركون في خبيب بن عدي بعد أسره
لان خبيب بن عدي في غزوة بدر قتل الحارث بن عامر بن نوفل فلما سمع بنو حارث ان خبيب أسيرا في مكة أرادوا ان يأخذوا بثأر أبيهم الذي قتله خبيب يوم بدر و أرادوا قتله … فحبسوه في البداية في بيت عقبة بن الحارث و قيدوه بالحديد … و لما اجمع المشركون على قتل خبيب بن عدي ذهبوا به لمكان يسمى التنعيم ليصلبوه ثم يقتلوه ، فاستأذن خبيب بن عدي رضي الله عنه منهم أن يصلي ركعتين، فأذنوا له، فصلى خبيب ركعتين في خشوع، فكان بذلك أول من سنَّ صلاة ركعتين عند القتل لان النبي صلي الله عليه وسلم سمع بما فعله خبيب و لم ينهى عنه و سكت فاعتبرت بذلك صلاة ركعتين قبل القتل سنة في الاسلام … و بعد ان انهى خبيب صلاته قال لهم : و الله لولا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ بي جزعًا (أى خوفًا) من الموت؛ لازْددت صلاة. ثم رفع يده إلى السماء ودعا عليهم وقال : (اللهم أحصهم عددًا، و اقتلهم بددًا، و لا تبق منهم أحدًا ) … ثم بعد ذلك صلبوه و قال له أحد زعمائهم ويقال انه اب سفيان قبل ان يسلم قال له أتحب أن محمدًا مكانك، و أنت سليم معافى في أهلك فرد خبيب رضي الله عنه و قال والله ما أحب أني في أهلي و ولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، و يصاب رسول الله بشوكة فيتعجب ابو سفيان و يقول و الله ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد لمحمد … و قبل ان ينتهي خبيب رضي الله عنه من كلماته ضربه أحد المشركين بسيفه و قتله و أستشهد بذلك الصحابي الجليل خبيب رضي الله عنه .
وفاء خبيب بن عدي و عدم غدره بمن غدر به
عندما كان خبيب أسيرا وعلم ان المشركين قرروا قتله طلب موسا ليستحد فأعارته احدى بنات الحارث الموس و كان لها ابن صغير فغفلت عنه فذهب لخبيب فاجلسه على حجره و كان الموس في يد خبيب ففزعت المرأة لما رأت ابنها مع خبيب و الموس في يده فقال لها خبيب اتحسبين أني أقتله ؟ ما كنت لأفعل ان شاء الله فقالت المرأة : ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب .
استشهاد خبيب بن عدي
قال ابن إسحاق: قال عاصم: ثم خرجوا بخبيب حتى جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه، وقال لهم: إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا قالوا: دونك فاركع، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم, فقال: أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعًا من القتل لاستكثرت من الصلاة، قال: فكان خبيب أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين قال: ثم رفعوه على خشبة فلما أوثقوه قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك فبلغه الغداة بما يصنع بنا، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تغادر منهم أحدًا ثم قتلوه.
وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: أحضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيته يلقيني على الأرض فرقًا من دعوة خبيب، وكانوا يقولون: إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زالت عنه، وكان ذلك في العام الرابع الهجري، وأوحى الله إلى رسوله ما حدث لخبيب، فبعث عمرو بن أمية الضمري لينزله من خشبة الصلب: فجاءه ورقى إلى الخشبة متخوفًا من العيون وأطلقه فوسَّدَ جثمانه على الأرض، ثم يقول عمرو بن أمية: فالتفت فلم أر شيئًا فكأنما ابتلعته الأرض ولم يعثر على جثمانه بعد ذلك.
وكان أول من صُلب في ذات الله وأول من سنَّ الصلاة قبل الموت صبرًا.