محمد إقبال هو شاعر الشرق وفيلسوف الإنسانية ، ولد عام 1877 في سيالكوت في البنجاب ، لأسرة برهمية كشميرية الأصل ، لقد اهتدى أحد أسلافه فيها إلى الإسلام قبل حكم الملك المغولي الشهير “اكبر” ، نزح إقبال إلى سيالكوت ودرس اللغة الفارسية والعربية إلى جانب الأردنية ، ثم رحل إلى أوروبا وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة ميونخ في ألمانيا .
وعاد إلى وطنه وشعر أنه قد خلق للأدب الرفيع والشعر البديع ، وظل وثيق الصلة بالمجتمع الهندي حتى أصبح “رئيس حزب العصبة الإسلامية في الهند ” ، ثم “العضو البارز في مؤتمر الله أباد التاريخي” فنجد أنه نادى بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس ، كما اقترح تأسيس دولة اسلامية باسم باكستان ، وتوفي اقبال عام 1938 ، وقد ملأ الآفاق بشعره البليغ وفلسفته العظيمة ، وجدير بالذكر أن أم كلثوم قد غنت احدى قصائده وهي “حديث الروح” .
مولد ونشأة الشاعر محمد اقبال
إقبال ابن الشيخ نور محمد، كان أبوه يكنى بالشيخ تتهو (أي الشيخ ذي الحلقة بالأنف) ولد في سيالكوت ـ إحدى مدن البنجاب الغربية ولد في الثالث من ذي القعدة 1294 هـ الموافق 9 من تشرين أول نوفمبر 1877م وهو المولود الثاني من الذكور
يعود أصل إقبال إلى أسرة برهمية ؛ حيث كان أسلافه ينتمون إلى جماعة محترمة من الياندبت في كشمير، واعتنق الإسلام أحد أجداده في عهد السلطان زين العابدين بادشاه (1421 ـ 1473م). ونجده يصف أصله فيقول : ” إن جسدي زهرة في حبة كشمير، وقلبي من حرم الحجاز وأنشودتي من شيراز”.
أما عن أبيه فهو الشيخ نور محمد، كان يعمل بالتجارة ويخالط جماعة من الصوفية ورجال العلم والمعرفة، وهذا ما جعله عارفًا بدقائق الطريقة وعلوم العقيدة والسنة، ولديه علم واسع في مسائل الحكمة والفلسفة والأدب ، وكان لذلك عظيم الأثر في حياة شاعر الإسلام محمد إقبال. أما أمه فهي امرأة يملأ قلبها الورع والتقوى ، قال عنها يوم موتها : ” عندما آتي إلى تراب مرقدك سوف أصيح: من ذا الذي يذكرني في الدعاء في منتصف الليل”. وتُوفي أبوه في السابع عشر من أغسطس 1930 بعد أن قارب المائة عام ، وتُوفيت أمه قبل أبيه بست عشرة سنة في 1914م.
رحلة اقبال في طلب العلم
لقد بدأ محمد اقبال تعليمه في وقت مبكر على يد أبيه ، ثم التحق بعد ذلك بأحد مكاتب التعليم في سيالكوت ، ورأى أبوه في سن الرابعة أن يتفرغ للعلم الديني ، لكن أحد أصدقاؤه رفض وهو الأستاذ “مير حسن” وقال : هذا الصبي ليس لتعليم المساجد وسيبقي في المدرسة .وانتقل اقبال إلى الثانوية ، وكان الأستاذ مير حسن مدرسا للآداب العربية والفارسية ، وقد كرس حياته للدراسات الإسلامية ، وظل اقبال يذكر فضله حتى آخر أيامه .
بدأ اقبال في كتابة الشعر في هذه المرحلة المبكرة من حياته ، وقام بتشجيعه الأستاذ مير حسن ، وكان ينظم الشعر بالنجابية في البداية ، لكن وجهه أستاذ إلى نظمه بلغة الأردو ، وكان اقبال يرسل قصائده ميرزا داع دهلوي شاعر بارز في شعر الأردو ، حتى يعطيه رأيه ، وينصحه ويرشده ، ولم تمر فترة بسيطة حتى قرر داغ دهلوي أن شعر اقبال لا يحتاج إلى تنقيح .
أتم اقبال دراسته الأولية في سيالكوت ، ثم بدأ دراسته الجامعية ، باجتيازه الامتحان العام الأول بجامعة بنجاب 1891 ، التي تخرج فيها وحصل منها على إجازة الآداب في عام 1897م ، ثم حصل على درجة الماجستير 1899 م، كما حصل على تقديرات مرموقة في امتحان اللغة العربية في جامعة البنجاب. وتلقى إقبال دراساته الفلسفية في هذه الكلية على يد الأستاذ الكبير “توماس آرنولد”، وكان أستاذًا في الفلسفة الحديثة، وحجة في الآداب العربية والعلوم الإسلامية وأستاذها في جامعة لندن.
بعد أن حصل إقبال على الماجستير تم تعينه معيدًا للعربية في الكلية الشرقية لجامعة البنجاب، وحاضر حوالي أربع سنوات في التاريخ والتربية الوطنية والاقتصاد والسياسة، وصنف كتابًا في “علم الاقتصاد” ولم يشغل التدريس محمد إقبال عن الشعر، بل ظل صوته يدوي في محافل الأدب وجلسات الشعر، والتي يسمونها في شبه القارة “مشاعرة”. وكانت أول قصيدة له بعنوان: “إنه يتيم” وألقاها في الحفل السنوي لجماعة “حماية الإسلام” في لاهور، وقد لاقت القصيدة استقبالاً حسنًا ومست شغف القلوب، الأمر الذي دعاه إلى أن ينشد في العام التالي وفي الحفل السنوي لنفس الجماعة قصيدته “خطاب يتيم إلى هلال العيد” ويشير الأستاذ أبو الحسن الندوي ـ وهو ممن عاصروا شاعرنا وتأثر به وجدانياً ـ إلى أسباب الإعجاب بشعر إقبال فيقول: “وهو ترجع في الغالب إلى موافقة الهوى والتعبير عن النفس: وهذا عن إعجاب الناس بشعره.
أما عن أسباب إعجابه هو بشعر إقبال فيقول : “إن أعظم ما حملني على الإعجاب هو الطموح والحب والإيمان، وقد تجلى هذا المزيج الجميل في شعره، وفي رسالته أعظم ما تجلى في شعر معاصر” سافر إقبال إلى لندن في الثاني من سبتمبر 1905؛ ليكمل تعليمه وليستزيد من العلم فاتجه إلى كمبريدج والتحق بجامعتها؛ حيث درس الفلسفة على يد أستاذ الفلسفة مك تكرت، وحصل على درجة في فلسفة الأخلاق وتأثر بأستاذه مك تأثرًا واضحًا.
مرض محمد اقبال واعتزاله المحاماة
في السنوات الأخيرة من عمره اجتمع المرض عليه ، فقد ضعف بصره لدرجة أنه لم يستطع التعرف على أصدقائه بسهولة، وكان يعاني من آلام وأزمات شديدة في الحلق ؛ مما أدى إلى التهاب حلقه، وأدى بالتالي إلى خفوت صوته، مما اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة ، وفكر في أن يقصد فيينا طلبًا للعلاج إلا أن حالاته المادية لم تسمح بذلك، وتدخل صديقه رأس مسعود؛ حيث اقترح على يهوبال الإسلامية أن تمنحه راتبًا شهريًا من أجل أطفاله الذين ما زالوا صغارًا وحدث ذلك بالفعل واستمر الراتب حتى بعد وفاة إقبال.
وكان من أولاده: ابنه آقتاب إقبال المحامي ورزق به من زواجه الأول، وابنه أجاويد ـ القاضي بمحكمة لاهور العليا، وابنته منيرة باتو وتزوجت في باكستان، وهما من زوجته الثالثة؛ حيث تزوج إقبال ثلاث زوجات ماتت إحداهن هي وابنتها بعد الولادة. وفي أثناء مرضه هذا واعتزاله المحاماة ماتت زوجته الثالثة في مايو 1935 ثم مات صديقه العزيز رأس مسعود، ومن العجيب أن إقبال وسط هذه المحن والكرب لم يتوقف عن ممارسة نشاطه السياسي، بل ولم يتوقف عن الإبداع وكتابة الشعر.
وفاة محمد اقبال
تُوفي محمد إقبال في 20 من صفر 1357 هـ = 21 من إبريل 1938م ، ودفن في لاهور ، و اتخذ أصدقاؤه قبرًا له في فناء المسجد الجامع “شاهي مسجد”، ثم كتبوا على ضريحه : “إن محمد نادر شاه ملك الأفغان أمر بصنع ذلك الضريح اعترافًا منه ومن الأمة الأفغانية بفضل الشاعر الخالد”