بالطبع أول ما يخطر بالذهن عند ذكر يرقات الذباب هو منظرها البشع، وارتباطها في أذهاننا بالتلوث، حيث أنها كائنات تحب العفن والخلايا الميتة، لذا فهي مرتبطة بالموت، ولكن لعلنا نغفل أن هذه الكائنات مهمة للغاية في حفظ التوازن البيئي، وكذلك مع تطور العلم أصبح لها استخدامات أخرى في علاج الجروح سنتعرف عليها .
العلاج بيرقات الذباب
العلاج بيرقات الذباب هو أحد أنواع العلاج الفعال والآمن والمتوفر للجروح، والذي يتم فيه تطهير اليرقات وإدخالها في الجروح حتى تأكل الخلايا الميتة فيها، وتساعد على التئام الجروح سريعا، مع وضع ضمادة على الجرح حتى لا تخرج اليرقات مدة يومين أو ثلاثة أيام، وهي تفعل هذا عن طريق ثلاث خطوات، أولا تنظيف وإذابة الأنسجة والخلايا الميتة، ثانيا تنظيف وتطهير الجرح وقتل البكتيريا، ثالثا تعمل على سرعة التئام الجرح .
تاريخ اكتشاف العلاج بيرقات الذباب
1- اكتشف العلاج بيرقات الذباب قديما، منذ حوالي قرن ونصف من الزمان، ويرجع البعض بداية اكتشافه لحضارات الأزتك، وسكان استراليا الأصليون .
2- اكتشف أطباء الجيش الخاص بنابليون أثناء الحروب، أن معدل سرعة التئام الجروح عند المجندين الذين تخترق جروحهم اليرقات، أفضل بكثير من جروح المجندين الآخرين، وأن هذه اليرقات تأكل الأنسجة الميتة فقط دون أن تمس الأنسجة الحية .
3- في الحرب العالمية الأولى، وخصوصا في عام 1929 م، قام الطبيب والعالم وليام باير بعرض نتائج أبحاثه التي قام بها على مؤتمر الجراحة، والتي كانت فيما يخص اكتشاف فصائل وفصلها معمليا واستخدام يرقاتها في علاج التهاب العظام الذي يعاني منه الأطفال، وقد عالج الكثيرين منهم، ثم بعد عامين زاد عدد الحالات التي عالجها، فقام بنشر هذه النتائج على مستوى العالم .
4- وفي فترة الثلاثينيات كان استخدام العلاج باليرقات كبير، إلا أن بعد قيام الحرب العالمية الثانية، واكتشاف المضاد الحيوية كالبنسلين عام 1940، وتطور العمليات الجراحية، أدى ذلك لتراجع العلاج باستخدام اليرقات .
5- في السبعينيات والثمانينيات وبعد فشل المضادات الحيوية والعمليات الجراحية في تحقيق النتائج المطلوبة، عاد استخدام العلاج باليرقات مرة أخرى .
6- وفي عام 1994 م، اعتمدت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية العلاج بيرقات الذباب ضمن الطرق العلاجية السليمة، في علاج الجروح النخرية في الجلد الغير قابلة للشفاء، وكذلك جروح الأنسجة الناعمة، وقرحة الضغط، وتقرحات الركود الوريدي، وقرحة القدم السكري، والجروح الناتجة بعد العمليات الجراحية، ولولا اشمئزاز البشر من هذه اليرقات لكان هذا العلاج من أهم العلاجات للجروح في العصر الحديث .
فوائد العلاج باليرقات
1- تستطيع اليرقات علاج الجروح عن طريق أكل الجلد والأنسجة الميتة دون أن تمس الخلايا الحية .
2- تستطيع يرقات الذباب حصار مناعة الجسم حتى تمنعه من أن يحدث التهابات في المنطقة المجروحة، وقد تم اختبار هذه الطريقة علميا من قبل فريق من الجراحين في المركز الطبي لجامعة لايدن بهولندا، وذلك عن طريق تطهير يرقة وإضافة عينات دم متبرع بها من قبل 4 أشخاص أصحاء بالغين إليها، فأظهرت النتائج أن كل عينة دم عولجت باستخدام إفرازات اليرقات، مستوى أقل من البروتينات المتممة مقارنة بالعينات الأخرى .
3- اختبر فريق الأبحاث إفرازات اليرقات مرة أخرى بعد مرور شهر وقاموا بغليها، وذلك حتى يتم تحديد مدى صلاحيتها، حتى فوجئوا بأن الإفرازات بعد تركها شهر على الرف لم تفقد تأثيرها، وأصبحت أكثر فعالية بعد الغليان .
4- كما أن يرقات الذباب تساهم في زيادة تركيز نسبة الأكسجين في الجروح، وهذا من شأنه أن يعمل على تعزيز النمو الخلوي، مما يزيد من سرعة التئام الجروح في خلال يومين أو ثلاثة بعكس العمليات الجراحية التي تجعل الجرح يأخذ وقتا أطول بكثير .
5- في العمليات الجراحية قد لا يستطيع الجراح تقدير الحجم الحقيقي للجرح، مما تجعله قد يترك جزءا أو أكثر بدون تنظيف، بعكس اليرقات التي تصل إلى كل أماكن الجرح وتقوم بتنظيفها .
6- اليرقات لديها مجال كبير من النشاط كمضادات للميكروبات، حيث أنها تحتوي على آلانتوين، ويوريا، وحمض فينيل الخل، وكربونات الكالسيوم، والإنزيمات المحللة للبروتين، وفينيل أسيتالدهيد، وغيرها .
7- ثبت أن اليرقات تدمر مجموعة كبيرة من البكتيريا التي تسبب الأمراض، بما فيها تلك المقاومة للميثيسيلين ( المكورات العنقودية الذهبية )، وسلالات البكتيريا الهوائية واللاهوائية الموجبة .
مشاكل استخدام العلاج باليرقات
1- الحصول على اليرقات سهلة، ولكن الحصول على النوع المناسب صعب إلى حد ما، وهو النوع الذي تضعه الذبابة الخضراء .
2- شعور المريض بالدغدغة بسبب وجود اليرقات في الجروح، لذا يحاول العلماء تصميم بعض الضمادات التي تقلل هذا الإحساس .
3- لابد من تعقيم اليرقات واستخدامها فور وصولها بمدة لا تزيد عن 24 ساعة فقط .