كان الشعر العربي في الأندلس شائع بين طبقات المجتمع وطوائفه، ولم يقتصر الشعر على الشعراء في الأندلس ولكن شارك فيه العديد من أهل البلد، ولهذا تميز الشعر الأندلسي بالتنوع وظهرت العديد من أنواع فنون الشعر الاندلسي .
فنون الشعر الأندلسي
نظم شعراء الأندلس الشعر في العديد من الأغراض التقليدية مثل الغزل والزهد والمجون والتصوف والهجاء والرثاء والمدح، كما أنهم طوروا في شعر الرثاء وأوجدوا رثاء الممالك الزائلة والمدن، كما أنهم تأثروا بالأحداث السياسية التي كانت تحدث حولهم فأوجدوا شعر الاستغاثة، وتوسعوا في شعر وصف البيئة في الأندلس، واستحدثوا نوع آخر من الشعر وهو فن الأزجال والموشحات.
شعر الغزل
كان شعر الغزل من أبرز أنواع فنون الشعر في الأندلس، حيث كان الشعراء أحياناً يستهلون به قصائدهم، وكانوا دائماً ما يتغزلون في الفتيات النصرانيات الأوربيات بحكم كثرة السبايا والجواري، وكانوا يستخدموا الطبيعة في تشبيه جمال النساء، مثل الورود والقمر وغيرها، وكان هناك اتجاهين:
-الاتجاه الأول من كانوا يأخذوا من شعر الغزل للهو والتمتع والغواية، مثل قول الشاعر على بن عطية البلنسي:
ومرتجة الأعطاف أما قوامها
فلدن وأما ردفها فرداح
الموت فصار الليل من قصر به
يطير وما غير السرور جناح
وبت وقد زارت بأنعم ليلة
يعانقني حتى الصباح صباح
على عاتقي من ساعديها حمائل
وفي خصرها من ساعدي وشاح
-أما الاتجاه الثاني كان ينظمون شعر الغزل تعبداً في الجمال واتخذوا العفة في شعرهم لتحيل بينهم وبين الغواية، مثل قول الشاعر ابن فرج الجياني:
وطائعة الوصال صددت عنها وما الشيطان فيها باللطاع
بدت في الليل سافرة فباتت دياجي الليل سافرة القناع
فملكت الهوى جمحات قلبي لأجري في العفاف على طباعي
وبت بها مبيت الطفل يظمأ فيمنعه الفطام عن الرضاع
كذلك الروض ما فيه لمثلي سوى نظر وشم من متاع
ولست من السوائم مهملات فاتخذ الرياض من المراعي
شعر المجون
في عهد الدولة الأموية لم يظهر شعر المجون الذي يخلط ما بين الجد والهزل، فالدولة كانت في وقت قتال دائم وجهاد وكان الوازع الديني كبير بين الناس، ولكن في عهد ملوك الطوائف حتى نهاية الدولة الأندلسية، أتخذ بعض الشعراء المجون في شعرهم، وأفرطوا فيه إلى حد الاستهزاء بالفرائض.
شعر الزهد
كان هناك العديد من المتصوفة الشعراء الذين كانوا ينظمون الشعر عن التصوف والزهد عن الحياة والترف والتفرغ لعبادة الله، ومن أشهرهم المتصوف ابن عربي الذي لقب (بمحيي الدين) ولقب (بالشيخ الأكبر)، كان هناك ابن سبعين الذي لقب (بقطب الدين).
شعر المدح
حافظ الأندلسيين على شعر المدح بالأسلوب القديم، وكان أحياناً يبدأوا قصائدهم بوصفهم للطبيعة والخمر، مثل موشحة للشاعر لسان الدين بن الخطيب يمدح الأمير الغني بالله الوالي على غرناطة، وفيها:
جَادَكَ الغَيْثُ إِذَا الغَيْثُ هَمَى يَا زَمَانَ الوَصْلِ بِالأَنْدَلُسِ
لَمْ يَكُنْ وَصْلُكَ إِلاَّ حُلُمًا فِي الكَرَى أو خِلْسَةَ المُخْتَلِسِ
شعر الرثاء
كان الأندلسيين في الرثاء مثل الشعراء المشارقة، فكانوا يعظمون مصيبة الموت ويتفجعون على الميت، كما أنهم أضافوا رثاء المدن والممالك، ومثال على ذلك رثاء ابن حزمون قائد الحملات في بلنسية بعد أن قتل على يد النصارى في إسبانيا:
يَا عَيْنُ بَكِّي السِّرَاجْ الأَزْهَرا النَّيِّرَا اللامِعْ
وَكَانَ نِعْمَ الرِّتَاجْ فكُسِّرَا كَيْ تُنْثَرَا مَدامِعْ
شعر الهجاء
كان الشعراء في الأندلس يعرفون الهجاء البعيد عن الهجاء السياسي بسبب قلة الأحزاب السياسية في الأندلس، ولكنهم برعوا في الهجاء وكان هجائهم يتميز بالقسوة والتطرف، حتى أنهم كانوا يهجون أنفسهم، ومثال على هذا ابن حزمون الذي هجا نفسه وقال:
تَأَمَّلْتُ فِي المِرْآةِ وَجْهِي فَخِلْتُهُ كَوَجْهِ عَجُوزٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى اللَّهْوِ
إِذَا شِئْتَ أن تَهْجُو تَأَمَّلْ خَلِيقَتِي فَإِنَّ بِهَا مَا قَدْ أَرَدْتَ مِرَ