إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ، الأخلاق هي رمانة الميزان في تطور المجتمع من عدمه، تضمحل الأمم وتندثر إذا انعدمت بها الأخلاق، فيسود فيها الكذب والخداع والفساد والغش، حتى يأتي اليوم الذي لاتعرف فيه الباطل من الحق ويأكل فيه القوي الضعيف ولا يجد الظالم من يرده ويقومه فيشيع الفساد في الأرض، كما قال الله تعالى { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الآية (41) من سورة الروم.

حينها يصبح الإنسان الخلوق الأمين غريباً ومنبوذاً لا يأخذ أحد رأيه، فنجد الكاذبون لا يريدون أن يُجاوروا الصادقين، وعديمي الشرف يحاولون أن يسلبوا الشرف من أصحابه ليكونوا مثلهم، وحينها حذر رب العزة وقال {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} الآية 42 من سورة الروم.

الأخلاق

مكارم الأخلاق هي الصفات التي حث عليها نبينا (صل الله عليه وسلم)، فلقد حث على الأخلاق الحسنة والتسامح والإخاء وعدم الكذب وعدم الغش، فعن البيهقي أن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ووصف الله نبيه الكريم قائلاً {إنك علي خلق كريم} الآية (4) من سورة القلم .

فالأخلاق الحسنة لها منافع على الفرد والمجتمع وعلى الأمة والبشرية جميعها، فالتمسك بالأخلاق يعصم الأمة من الضياع والانكسار والزوال، و يحميها من أعدائها ومن المتربصين بها ليفتكوا بها.

ونجد أيضاً أن الأخلاق هي السبب في نهضة الأمم،  وما قامت أُمة إلا بعد قيامها باحترام الأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة بين أفراد المجتمع، ورفع الظلم والمساواة بين الناس، ولنا في الأندلس عبرة كانت منارة للعلم والأخلاق الحميدة حتى بدأ الفساد ينخر في أساس المجتمع حتى ضعفت، فآلت بها الأمور إلى سقوطها، ففساد المجتمع من فساد الأفراد وفساد الأفراد من فساد المجتمع.

الفساد الأخلاقي

ينتشر الفساد كالنار في الهشيم إذا ما تجاهلناه ، الفساد قد يبدأ بسبب فرد فاسد في الأسرة، يبدأ بتسريب أخلاقه السيئة إلي باقي الأسرة ومنه إلي المجتمع حتى تنتشر هذه الأخلاق السيئة كالداء في الهواء ولا يتوقف عند توقف هذا الفرد الفاسد بل يظل يتنقل بين الأفراد من شخص إلى شخص ومن أسرة إلى أسرة ومن مجتمع إلى مجتمع ، لنتفاجئ به وهو ينخر في أساس مجتمعاتنا مثل السوس حتى يخر المجتمع ساقطاً.

أسباب الفساد الأخلاقي

-من أهم ما يسبب هذا الفساد هو غياب الوازع الديني وتجاهل القيم الحسنة ومفاهيم المساواة والعدل والفضائل التي تربينا عليها والتساهل فيها، وسكوت العلماء والآباء والمربين وعدم قيامهم بواجبهم على أكمل وجه.

-المبادئ  التي أتت لنا من الغرب  والشرق التي تنافي الأخلاق التي يدعو لها ديننا.

-انشغال الناس عن فعل الخير وكثرة الفواحش، وانشغالهم عن الاهتمام بالتعليم وجودته، والقيام بنشره في جميع الشرائح.

-انتشار الكذب والنفاق بين طوائف المجتمع المختلفة.

-الشعور باللامبالاة وعدم تطبيق قول رسول الله (صل الله عليه وسلم) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بالحسنة وبحسن القول واللين وليس بالعنف والغلظة التي قد تنفر الأجيال من الدين الإسلامي.

-تسمية الفواحش والمنكرات بمسميات مستحدثة رغبة منا في الهروب من الاسم الحقيقي الذي حرمه الله -عز وجل- في كتابه.

كلمات وأبيات شعر عن الأخلاق وفساد الأخلاق

-قال الجاحظ: “لا مروءة لكذوب ، ولا ورع لسيئ الخلق” .

-قال معروف الرصافي :
هي الأخلاق تنبت كالنبات … إذا سقيت بماء المكرمات
فكيف تظن بالأبناء خيراً … إذا نشأوا بحضن السافلات

-قال أحمد شوقي : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

كذلك قال: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

وأيضاً: إذا أصيب القوم في أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلاً

-قال جعفر الصادق: “حسن الخلق أحد مراكب الحياة”.

-قال المتوكل الليثي : لا تنه عن خلق وتأتي بمثله … عار عليك إذا فعلت عظيم

-قال المهلب بن أبي صفرة: “أدنى أخلاق الشريف كتمان سره، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه”.

-قال حافظ إبراهيم : وإذا رزقت خليقة محمودة … فقد اصطفاك مقسِّم الأرزاق

اقتباسات لبعض المشاهير عن فساد الأخلاق

-“إننا نستنشق الفساد مع الهواء فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟” (نجيب محفوظ)

-“إذا  كنت ذا رأي فكن فيه مقدما***فإن فساد الرأي أن تترددا” (الخليفة المنصور)

-“لا تجالس الحمقى فإنه يعلقوا بك من مجالستهم يوما من الفساد ما يعلق بك من مجالسة العقلاء دهرا من الصلاح فإن الفساد أشد التحاما بالطبائع.” (الجاحظ)

-“لم يعمل البشر بمقتضى القول القائل خير الأمور الوسط لذلك تراهم يقتلون المجرمين والأنبياء.” (جبران خليل جبران)

-“شر الناس هو ذلك الذي بفسقه يضر نفسه والناس.” (أرسطو)

-“إنَّ في أذكياءِ المجرمين منْ لو رُبّي وعُلِّمَ لكانَ من عَباقِرةِ الدهرِ.” (علي طنطاوي)

-“الرب لم يخلق سوى الماء، لكن الإنسان صنع الخمر.” (فيكتور هيجو)

-“عندما يؤمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد ويسوم الفقراء سوء العذاب.” (نجيب محفوظ)